جورج الهاشم ومحمد الروبي.. عن سينما عربية مستقلة

23 مايو 2023
من الحوارية
+ الخط -

في "حوارية السينما المستقلة.. حدود وآفاق" التي نظّمتها "مؤسسة عبد الحميد شومان" في عمّان مساء أمس الإثنين، شكك الناقد السينمائي المصري محمد الروبي بمفهوم "السينما المستقلّة" في مصر مطلع الألفية الثالثة؛ متسائلاً حول ماهية هذا الاستقلال المزعوم.

ولفتَ إلى صعوبة مقارنة واقع السينما المصرية بمثيلتها الأميركية، حيث توجد ماكينة ضخمة من الإنتاج في الولايات المتحدة لا يستطيع في إطارها أي مبدع أن يتعاملَ بحريّة تامّة مع أفكاره السينمائية، لذلك بقي الجدل قائماً في مصر، حيث ظلّ التساؤل مطروحاً بين النقاد وصنّاع الأفلام: لماذا تُعتبر هذه السينما مستقلة، وهي مستقلة عن ماذا، وما هي أبرز ملامحها؟ وهل الملمح الأساسي الذي يمنحُ فيلماً اسمه المستقل هو إنتاجه من قبل شركة غير معروفة وبأموال قليلة؟

كما أنَّ وصف هذه السينما بأنّها بديلة لا يعدّ كافياً، بحسب الروبي الذي تساءل أيضاً بأنّها بديلة عن السينما التجارية الساعية إلى الربح السريع مثلاً؟ وأنّه على الرغم من وجود هذه السينما التجارية، إلّا أنّها قدّمت محمد خان وخيري بشارة وبشير الديك وغيرهم ممن صنعوا أفلاماً "جادة"، وبذلك يكون مصطلح "مستقلة" أو "بديلة" مائعاً من الناحية العلمية.

برز صنّاع أفلام جادة مثل محمد خان وخيري بشارة وبشير الديك وغيرهم في ظلّ وجود سيما نجارية

وأوضح الروبي بأن من يستطيع اليوم أن يصنع فيلماً سينمائياً وينجح في عرضه للجمهور هو ليس مستقلاً فقط، بل ثورياً بالمعنى العلمي للكلمة، في لحظة يسيطر فيها "المديوكر" على جميع مناحي الحياة، ويستطيع أن يفرض صنّاع السينما المبدعين شروطهم على المموّل، مشيراً أيضاً إلى أهمية أن يكون المجتمع الذي يتوّجه له السينمائي، حرّاً وقابلاً لنقده.

ودعا الروبي إلى ضرورة أن لا تتخلى الحكومات العربية عن الإنتاج، دون أن تفرض انحيازاتها، وتترك المجال كلّه للمال الخاص لنصل إلى ما وصلت إليه السينما المصرية التي باتت تنتجُ عدّة أفلام ضعيفة كلّ عام، بينما لا تزال نتاجات المؤسسة المصرية العامة للسينما التي أسستها الدولة، هي الأهم في تاريخ السينما العربية، وفق تصنيف النقاد لأهم مئة عمل.

تبدو مفارقة أن تلهث وتتبع السينما المستقلة صوب دفاتر شروط خارج مجتمعاتها

من جهته، نبّه المؤلف والمخرج السينمائي اللبناني جورج الهاشم إلى أنه لا يمكن فصل المال والمتلقّي عن صناعة السينما، وتتحدّد استقلالية السينما وفق استقلالها عن سلطة مال الشركات الخاصة القائمة على العرض والطلب، أو سلطة الأنظمة السياسية التي تُنتج عادة سينما دعائية، وقدرتها على التحرّر من هذه السلطات وبناء علاقات سليمة مع من تتوجّه له ومن تستوحي بيتته (أي المتلقي).

وتطرّق المخرج اللبناني إلى التطور التكنولوجي وانخفاض التكاليف اللوجستية اللذين يشكلان عاملاً محفزاً للسينمائيين المستقلين في جميع أنحاء العالم، مثلما حدث مع موجة الواقعية الجديدة في فرنسا، حين استخدمت تقنية 16 ملم بدلاً من 35 ملم. وبيّن أن هناك مفارقة في ما يخصّ السينما المستقلة التي تلهث وتتبع صوب دفاتر شروط خارج مجتمعاتها، حيث لا تتابع أفلامها إلّا في المهرجانات ويحرم جمهورها الأصلي من متابعتها، بينما المبدع الحرّ يعرف جيداً طبيعة الخطوط الحمراء داخل مجتمعه.

وأشارت الناقدة السينمائية الأردنية رانيا حداد في تقديم الحوارية إلى أن جذور مصطلح السينما البديلة يعود إلى بدايات الصناعة السينمائية، في مواجهة احتكارات توماس أديسون في الولايات المتحدة نتيجة حصوله على ملكية فكرية لمجموعة من اختراعاته في القطاع السينمائي، ما دفع مجموعة من السينمائيين المستقلين إلى المغادرة إلى ولايات أميركية لا تطالُها هذه الاحتكارات، موضحةً أنَّ المفارقة تتمثّل أن هؤلاء الذين كسروا احتكار أديسون هم أنفسهم الذين أصبحوا مهيمنين على القطاع السينمائي لاحقاً.
 

المساهمون