ربما يكون النمساوي إدموند هوسرل (1859 ــ 1938) أكثر اسم ترك أثراً في مجرى الفلسفة الغربية في القرن العشرين، حيث لا يُعرَف عن تيّارٍ أو عن توجّه فلسفي، إن كان في الفضاء القارّي أو في عوالم الفلسفة التحليلية الأنغلوساكسونية، إلّا واحتكّ بالفينومينولوجيا التي اقترحها، تأثُّراً بها أو نقاشاً وجدلاً معها.
ورغم تأثيرها هذا، إلّا أن الفينومينولوجيا الهوسرلية لا تزال، حتى اليوم، متناً يصعب دخوله لمَن لا يملك العتاد الفلسفي اللازم، بسبب المنهج والمعجم الجديدين اللذين يعتمدهما الفيلسوف النمساوي. وما يصعّب هذه المهمّة أكثر هو أن هذا المتن شاسعٌ جدّاً، حيث حبّر صاحب "التأمّلات الديكارتية" آلاف الصفحات خلال حياته، وبالكاد نُشرت أعماله الكاملة بالألمانية، في حين لم تُنقَل جميعها إلى لغاتٍ أخرى، مثل الفرنسية.
هذه الخصوصية التي تسم فلسفة هوسرل، والتي تجمع بين شدّة الأهمّية والصعوبة، هي التي تستدعي، منذ عقود، عديداً من الأعمال ذات التوجّه التعليمي، أو الشرحيّ، في مسعى لتقريب ما كتبه عرّاب الفينومينولوجيا من القرّاء المهتمّين، ولا سيّما طلّاب الفلسفة. مسعى هو عينُ ما يحاوله الباحث الفرنسي جان دانيال تومسر في كتابه "هوسّرل"، الصادر حديثاً لدى منشورات "إليبس" في باريس.
يمثّل الكتاب مدخلاً إلى أعمال الفيلسوف انطلاقاً من اقتباساتٍ محورية في الفينومينولوجيا التي وضعها، وهي اقتباساتٌ يعلّق عليها الباحث، ويشرحها، كما يشرح سياقها في نصّها وضمن المتن الهوسرلي بشكل عام، متيحاً بذلك دخولاً عملياً في فلسفة هوسرل، حيث يلاحظ القارئ كيف يمكن لمختصّ بهذه الفلسفة أن يتعامَل معها.
وإلى جانب نص تأريخيّ يسعى إلى موضعة الفيلسوف النمساوي ضمن تاريخ الفلسفة الغربية، يقدّم المؤلّف ترجمةً لمقتطفاتٍ من أعمال لهوسرل لم يسبق أن نُقلت إلى اللغة الفرنسية من قبل، كما يُرفق بكتابه شروحاً لقائمة من المصطلحات المفتاحية في هذه الفينومينولوجيا، ضمن ما يسمّيه "معجم هوسرل".