جامع عقبة بن نافع.. محاولة إصلاح ما أفسده الإسمنت

29 مارس 2023
جامع عقبة بن نافع في القيروان (Getty)
+ الخط -

لا يزال "جامع عقبة بن نافع" أو "الجامع الكبير" في مدينة القيروان وسَطَ تونس، إلى اليوم، واحداً مِن أكبر المساجد في المغرب العربي؛ إذ يمتدُّ على مساحةٍ تقرب من عشرة آلاف متر مربَّع. لكنّه كان في البداية مسجداً صغيراً وبسيطاً، قبل أن يعمد القائد الأموي حسّان بن النعمان إلى هدمه، بعد قرابة عشرين عاماً على بنائه، ليُشيّد مكانَه مسجداً أكبر، وسيظلُّ يشهد تعديلات وتوسيعات في العصور الإسلامية المختلفة، ليصل إلى شكله النهائي، بمئذنته التي تتألّف من ثلاث طبقات ويصل ارتفاعها إلى قرابة 31 متراً، وبحرَمه الكبير الذي يستند إلى مئات من الأعمدة الرخامية وتُحيط به الأروقة من كلّ جانب.

يعود تاريخُ بناء الجامع، الذي يَعدّه الدارسون المصدرَ الأوّل الذي استُمدّت منه الملامح المعمارية والزخرفية المعروفة للعمارة الإسلامية في المغرب العربي والأندلس، إلى القرن السابع الميلادي؛ حيث شُيّد عام 670م، بالتزامُن مع بناء المدينة على أنقاض حصن روماني، التي سيتّخذها الأمويون موقعاً لانطلاق حملاتهم إلى الجزائر والمغرب وإسبانيا.

جرى تغيير أسقف الجامع عام 1969 باستخدام الإسمنت المسلَّح

كغيره من المباني الأثرية، لحقت بالجامع المصنَّف من قبل "يونسكو" ضمن "قائمة التراث العالمي" عام 1981. أضرارٌ بفعل العوامل الطبيعية والبشرية، دفعت إلى التدخُّل غير مرّة، في محاولةٍ لمعالجتها، ومن ذلك عمليةُ الترميم التي جرت سنة 1969 وشملت تغييراً لأسقفه. لكنّ العمليةَ، وإنْ حافظَت على الهوية المعمارية الأصلية للمبنى، فقد اعتمدت على موادّ غير تلك التي استُخدمت في البناء الأصلي. وكان لإدخال الإسمنت المسلَّح في إعادة بناء الأسقف أثره السلبيّ؛ إذ جعله معرَّضاً لأخطار أكبر.

أخيراً، أعلن "المعهد الوطني للتراث" في تونس العاصمة، أنّ أشغالاً لترميم "جامع عقبة" ستنطلق خلال العام المُقبل، بتكلفة تصل إلى 15 مليون دولار أميركي. وقال مدير البحوث في المعهد، فتحي البحري، في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية، إنّ الأشغال ستُعنى بترميم الجامع وصيانته وتثمينه، إلى جانب استحداث متحف خاصّ بتاريخ الجامع في "مركز التراث" الذي يقع قبالته.

وذكر البحري أنّ الأشغال ستشمل أيضاً ترميم "فسقيات الأغالبة"؛ وهي معلَم أثريٌّ يقع خارج أسوار المدينة القديمة للقيروان، ويعود إلى القرن التاسع الميلادي؛ حيث شُيّد في زمن أحمد بن الأغلب الثاني بين سنتَي 860 و862م، كمركز لتزويد المدينة بالمياه، لكنّه استُخدم أيضاً لفضاء للترفيه.

بُنيت الفسقيات بالأحجار الركامية على مساحة تتجاوز أحد عشر ألف متر مربع، وتتضمّن آباراً وصهاريج وحوضاً كبيراً لتخزين مياه الأمطار التي تصبّ من وديان ومنابع قريبة من مدينة القيروان، إلى جانب مصفاة صغيرة. ويصل مجموعُ ما يمكن أن تُخزّنه هذه الفسقيات من المياه إلى قرابة سبعين ألف متر مكعَّب؛ وهو ما جعل الدارسين يعتبرونها أبرز معلم هيدروليكي في التاريخ الإسلامي.

المساهمون