ثقافة السودان 2021: عامُ إجهاض الأحلام الثورية

03 يناير 2022
متظاهرون قرب القصر الرئاسي بالخرطوم، نهاية كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي (Getty)
+ الخط -

في مشهد مفارقٍ للعديد من البلدان العربية التي عرفت موجتَيْن من الانتفاضات الشعبية مطلع العقد الماضي ونهايته، انخرط الكتّاب والفنانون السودانيون في الاحتجاجات التي اندلعت في بلادهم يومَ التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2018، في أطرٍ منظّمة نقابياً ومن برامج ورؤى واضحة.

حوالى عشرين نقابة منها "تجمُّع التشكيليّين"، و"‫تجمُّع الدراميّين"، و"اتّحاد الكتاب"، قدّمت إستراتيجية استندت إلى رؤية متقدّمة في فهم الديمقراطية التشاركية ودور الثقافة والفنون في تنمية المجتمع، وحماية حقوق أعضائها وحرّيتهم، وغيرها من العناوين التي تجاهلها النظام السابق ضمن سياساته التي همّشت الثقافة وشتّتت الفاعلين فيها في المنافي أو خلف جدران الصمت.

الآمال العريضة التي حكمت المزاج العام خلال العام الماضي اصطدمت باحتكار المؤسّسة العسكرية للسلطة وممارستها أعنف إقصاء لخصومها انتهى إلى انقلابها على "مجلس السيادة" الذي تشكّل عام 2019 عقب اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير السوداني من أجل الإشراف على مرحلة الانتقال الديمقراطي، ليعود السودان إلى نقطة الصفر من جديد وتنطلق التظاهرات ضدّ الانقلابيّين، والتي تتواصل حتى اللحظة.

عوّق المجلس العسكري أيّة خطط لتفعيل المؤسسات الثقافية
 

محاولات الدولة العميقة لإنهاء الحالة الثورية في البلاد تمّت مواجهتها بالرفض الشعبي خلافاً للانقلابات السابقة خلال العقود الستّة الماضية، إذ عبّر الأمين العام لـ"اتّحاد الكتاب السودانيين" نادر السماني عن معارضته لأيّ حكم عسكري يعيد السودانيين إلى الوراء، داعياً إلى احترام إرادة الجماهير التي تتوق إلى الحرية.

وفي منتصف الشهر الماضي أصدر الاتّحاد بياناً افتتحه بالقول: "سُئل الجبل يوماً: لماذا تناطح بقمّتك السحاب؟ فأجاب: سلوا الوادي"، وسط حشد من التصريحات لمثقفين دانوا فرض حالة الطوارئ، وخُتم البيان بالتأكيد بأنه "لا للدكتاتورية... لا لعودة الفلول... ولا للمحاور ونهب ثرواتنا... ثورة... ثورة حتى النصر".

واتّهم "تجمّع المِهَنيّين السودانيين"، الذي يضمّ في عضويته عدداً من النقابات والروابط الثقافية، الأربعاء الفائت، أجهزة الأمن بتنفيذ حملة اعتقالات تستهدف أعضاءه، استباقاً لمسيرات مليونيّة دعت إليها القوى السياسية في جميع مدن وقرى السودان.

تطوّرات مستجدّة تأتي بعد عاميْن من التجاذب وشّد الحبال مع المؤسّسة العسكرية التي أعاقت عمل معظم القطاعات الحكومية، ومنها وزارة الثقافة التي سعت خلال الفترة الماضية إلى تفعيل الكيانات الرسمية، وعلى رأسها "المجلس القومي للثقافة والآداب والفنون"، و"صندوق دعم المبدعين السودانيين"، و"مجلس حماية حقّ المؤلّف والحقوق المجاورة"، وهي كيانات كانت معطّلة طوال السنوات الماضية.

بموازاة ذلك، تسبّبت حالة الإغلاق التي أعقبت وباء كورونا بقيود إضافية على الحراك الثقافي في ظلّ وجود بنى تحتية متهالكة وغير مهيّأة لإقامة أنشطة تضمن إجراءات السلامة العامة، ما اضطرّ العديد من المؤسّسات المستقلة للجوء إلى العالم الافتراضي في تنظيم فعالياتها. لكنّها بقيت جهوداً فردية نتيجة إهمال المؤسّسة الرسمية وتجاهلها الفعلَ الثقافي برمّته.

ويبدو أنّ الجهود المبذولة منذ أشهر، من أجل عقد "مؤتمر السياسات الثقافية"، قد أُجهضت ضمن الظروف التي تعيشها البلاد، وهو أوّل ملتقى وطني كان يؤمل منه أن يناقش سُبُل تطوير المشهد الثقافي وكذلك التشريعات الناظمة له، وإيجاد خطط وآليات عمل للنهوص به.

يواجه المثقف السوداني لحظة صعبة وغامضة في آن، فبعد أن عطّلت قوى الثورة المضادة والجائحة حِراكه طوال العام الماضي، لم يعد أمامه اليوم سوى النزول إلى الشارع في صفوف التظاهرات السلمية ضدّ آلة القمع والدمّ، لعلّه يعيد الثورة إلى مسارها الصحيح.

 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون