ما حدث في تلكَ العشيّة حمّلني - وحمّل كل إنسان من لبنان - أكثرَ مما أستطيع، وخلّفَ فيّ نقيصةً وكُسوراً هي أبعَدُ منْ أن تُرأبَ وتندَمِلْ.
ماذا نسمّي الجروح حين يمضي عليها الزّمن وتأكُلها اللّحظات؟ هل تستحيلُ رماداً وتحفظُ في الدّفاتر وبرادات الموتى.
مهلاً أريدُ أن أعترف. منذُ ذلكَ اليوم لم أكتُبْ عن الجريمة، لم أنشُرْ صورةً على حسابي الفايسبوكيّ ولم أطْلِقِ العنان لحزني.
فضّلْتُ أن أبقى ذلكَ الضيفَ الخفيف، التّعِبْ، الخاشعِ أمام المدينة، الموَقِّرِ لحزنِ أهلها وساكنيها الثّكالى. كنتُ متاكّداً أنّني أضعفُ من ذلك كلِّه.
مرَّ الوقتُ وأتت ما يُسَمّونها الذّكرى، هل يصحُّ أن نقولَ عن الجريمةِ ذكرى؟
***
مهلاً أريدُ أن أحلُم.
في الغدِ ترى شعباً يخرجُ للسّاحات ويصرخُ، يحملُ لافتاتٍ ويُعَدّدُ أسماءَ شهداءٍ وجرحى ومُصابين. تراهُ يحمِلُ ترابَ الشهداء فيصيرُ ذهباً خالصاً.
دعوني أحلُمْ ولا توقظوني. الحقيقةُ مرّة والضّربُ في جسدِ الميّت حرام.
لقد متُّ في تلكَ العشيّة.. لا توقظوني.
* شاعر من لبنان