لطالما تردّدت مقولة بول سيزان عن تلك التفاحة التي أراد أن يُذهل بها باريس لحظة مغادرته مدينته إكس آن بروفانس في جنوب فرنسا، لتصبح واحدة من أهمّ المفردات البصرية المرتبطة بمرحلة الانتقال إلى الفن المعاصر بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي.
ما الذي قد يضيئه معرض يُقام بعد أكثر من مئة وخمسة عشر عاماً على رحيل الفنان الفرنسي (1839-1906)؟ سؤال استند إليه "غاليري تيت" في لندن خلال رحلة بحث سبقت المعرض الذي يفتتحه مساء الأربعاء، الخامس من الشهر المقبل، ويتواصل حتى آذار/ مارس 2023.
يسعى المنظّمون إلى تجاوز تلك الانطباعات الراسخة حول سيزان الذي وُصف على الدوام بالفردانية والجنون، حيث لا توجد سردية كاملة تربط بين إبداعه وبين السياق التاريخي والثقافي الذي عاش خلاله، إذ تتضارب كثيراً الروايات حول علاقته مع العديد من الفنانين والمثقفين في عصره، أو صلته مع أحداث بارزة عاصرَها.
يقدّم المعرض حوالي ثمانين لوحة تم انتقاؤها لتعبّر عن تلك التغيّرات السياسية والاجتماعية المتسارعة التي شهدها الفنان في بلاده، حيث انتقل الحكم فيها من الجمهورية إلى الإمبراطورية ثم عاد إلى النظام الجمهوري، ووقعت كذلك اضطرابات عديدة كان في مقدمتها إعلان كومونة باريس، وما تلاها من وقائع انقسمت خلالها العاصمة حول العديد من القضايا الحساسة.
وتعكس الأعمال المعروضة مسألة أساسية في السنوات الأخيرة من حياة سيزان، وتتعلّق بتأثيره على أجيال من الفنّانين سعَوا إلى كسر القواعد وسط عالم متسارع؛ من خلال التركيز على الحياة اليومية والمعيشية، وإبراز التجارب الشخصية التي تحيل إلى الفوضى، وعدم اليقين في الحياة الحديثة.
في هذه الأعمال، ظهرت الجدّة في الألوان والتركيبات والتقنيات المستخدمة التي لا تزال موضع درس لمحاولة فهم التأثيرات المختلفة التي ساهمت في تجريبه، وتتعدّد الفرضيات حولها، ومنها لقاؤه مع فان غوخ، على سبيل المثال، وهو لقاء يفترض حصوله نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر حين بدأت لوحة سيزان بالتغيّر.
يكشف المنظّمون عن سعي سيزان الدؤوب لتأكيد أسلوبه الراديكالي عبر تتبُّع علاقته مع كلّ من الفنان كاميّ بيسّارو والكاتب إميل زولا؛ صديق طفولته، وكذلك زوجته ماري هورتنس فيكيه وابنهما بول، كما تحظى الأمكنة التي رسمها سواء في مسقط رأسه أو في باريس باهتمام كبير، حيث ظلّت مرجعية أساسية عند فنانين من أمثال بابلو بيكاسو وهنري ماتيس وهنري مور.