بشرى زكّاغ: الشبكات الرقمية والحياة الاجتماعية والسياسية في المغرب

28 سبتمبر 2023
سعد بن سفاج/ المغرب
+ الخط -

ضمن سلسلة "أطروحات الدكتوراه" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياساتصدر حديثًا كتاب "الشبكات الرقميّة وديناميّة الحقل الاجتماعي/ السياسي بالمغرب" للباحثة المغربية بشرى زكّاغ، وهو يتضمّن مقدمة وسبعة فصول وخلاصة.

يتمحور العمل حول الشبكات الرقمية وما يتعلّق بها في المغرب، من علم اجتماع رقمي، إلى إثنوغرافيا ونتنوغرافيا المجتمعات الشبكية المغربية، وإثنوغرافيا الهوية في مجتمع هذه الشبكات، والشبكيين المغاربة وخصوصًا الشباب منهم، وبحث تأثير مدى التشابك بين الواقع والافتراضي خلال العمل على الشبكات الرقمية، وأخيرًا الظواهر الناجمة عن فضاء الشبكات الرقمية المفتوح، من صعود ديني وتشبيك اجتماعي.

تعتبر المؤلّفة في مقدّمة بحثها ألّا شكّ في حقيقةٍ محلّ إجماع في زماننا المعاصر، وهي أنّه لا وجود حقيقيًّا لمن لا وجود له مرئيًّا في فضاء الشبكات الرقمية، التي باتت تربط الأفراد والجماعات على الدوام، وفي معظم بقاع العالم، حتى تحوّلت هذه الشبكات "مجتمعًا" للشبكيّين وحاضنة أساسًا لهم. لكنْ لا شيء في هذا الوجود من دون أعراض جانبية؛ فالتسارع في المنجَز الاتصالي الشبكي فرض انعكاسات اجتماعية وثقافية وتحديات كبرى على علم الاجتماع، ولعل أبرزها تحوُّلُ تعاملِنا مع تكنولوجيا المعلومات من مجرّد تواصُل وتفاعل مع الآخرين إلى تواصل مع أدوات انقلبت قوى تنشئ واقعَينا الشخصي والاجتماعي وتشكِّلُهما، وتغيّر فهمَنا ذواتِنا، وكيفيةَ تعامُل بعضنا مع بعض، وقادرة على ابتداع واقع افتراضي تُمضي أجيالُنا، الحالية والمقبلة، معظم وقتها فيها شاءت أم أبت؛ وهو ما يضع البحوث السوسيولوجية أمام مأزق بنيوي حقيقي، إذا لم تتحرّك بسرعة لمعالجة هذه الحقيقة.

وترى زكاغ أنّه إذا كان الواقع الحقيقي هو حصيلة تفاعُل بين ممارسات اجتماعية والزمان والمكان، فإن فضاء الشبكات الرقمية، المفتوح بمصراعيه على التدفقات والتشابكات، والمتنوِّع الإمكانات التكنولوجية المنظِّمة للتفاعلات فيه، هو فضاءٌ تتدفق إليه في سيولة وانسياب من كل مكان وفي كل اللحظات كلُّ الأنساق الاجتماعية؛ ويكون على علم الاجتماع تناول الحقيقة الاجتماعية الشبكيّة وكثافتها التواصلية الحيوية بالدراسة والتحقيق.

الصورة
الشبكات الرقمية
الشبكات الرقمية

يتناول الفصل الأول من الكتاب الدراساتِ السابقةَ حول الموضوع، ثم مفاهيمَ الدراسة ومصطلحاتِها من منظور إجرائي أساسًا، بمعنى المفاهيم كما جرى إدراجها واستعمالها في الدراسة فقط. أمّا الفصل الثاني، فيقارب الأسلوب الإثنوغرافي في معالجة مجتمع الشبكات الرقمية في المغرب من حيث البيئة والجاهزية الشبكية، وكذا الآثار الاجتماعية المترتبة عليها، والفضاء العمومي الشبكي والزمن الميدياتيكي.

ويستعرض الفصل الثالث من منظور "نتنوغرافي" الجاهزيةَ الشبكية والدينامية الاجتماعية بالمغرب، وحجمَ حضور المغاربة عبر الشبكة، وإشكالية الفضاء العمومي بالمغرب، وتجربة الزمن الميدياتيكي وتأثيرها في الممارسات الاجتماعية، وخصائص الزمن وسيبرنيطيقا التواصل في مجتمع الشبكات المغربية.

ويعالج الفصل الرابع إشكالية الهوية سلطةً اجتماعية، وخصوصًا مع صعود الهويات المقاومة وما بعد الحداثية والجماعية، ويتطرق الفصل أيضًا إلى بناء الهوية في مجتمع الشبكات الرقمية، وإنشاء الجماعات الشبكية، وطبيعة الثقافة الشبكية.

وأُفرد الفصل الخامس للحديث عن الدينامية الطارئة التي ساهم جيل الشبكيين في دفعها نحو التمظهر والحضور في الحياة اليومية للمغاربة، وحضور الشباب في الفضاء الشبكي، وخصوصًا أشكال فعلهم الجمعي، وصعود حركاتهم الشبكية الاجتماعية، كحركة 20 فبراير، وحراك الريف، وحراك الهوامش. ويركز الفصل أيضًا على صنع الرأي العام الشبكي، وحضور التنظيمات السياسية على الشبكة (حزب العدالة والتنمية أنموذجًا)، ويتناول بالبحث البودكاست السياسي عبر الشبكة ونماذج منه.

ويناقش الفصل السادس قضايا المواطنة الشبكية والرأي العام الشبكي وتشابك الموقعي بالافتراضي، وكذا أشكال الحراك والنضال التي عرفها المغرب، والتي انطلقت أساسًا أو اعتمدت بالأخص على التعبئة والحشد من طريق الشبكات الرقمية.

ويحاول الفصل السابع والأخير، النظر في ما وراء الدينامية الاجتماعية والسياسية، وتغيير زاوية النظر نحو دينامية الشأن الديني والتضامني من جهة، وكذا أشكال التفاوت والاستبعاد التي لحقت بعض الفئات - النساء على نحو مخصوص في الدراسة - في ما يخص الحضور والمشاركة في دينامية فضاء الشبكات الرقمية.

 
المساهمون