انتخابات تونس 2019: الواقع السياسي والنخب

07 ابريل 2022
(عشية الانتخابات البرلمانية في تونس، 2019، Getty)
+ الخط -

ضمن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي"، صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس عام 2019: الحقل السياسي والسلوك الانتخابي وحراك النخب"، من تأليف عددٍ من الباحثين وتحرير مهدي مبروك.

مثّلت الانتخابات التشريعية والرئاسية التي شهدتها تونس في عام 2019 منعطفًا حاسمًا في تاريخ تجربة الانتقال الديمقراطي، سواء في سياقاتها أو نتائجها التي تحكّمت في ما ستؤول إليه الأمور لاحقًا: رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي، وتراجع حزب "نداء تونس" الذي فاز في الانتخابات التشريعية لعام 2014، وعودة "حركة النهضة" إلى الصدارة رغم تراجع رصيدها الانتخابي، يليها مباشرة حزب "قلب تونس" الذي تشكّل على عجل مستفيدًا من استثمار العمل الخيري والإعلامي لمؤسسيه، وتمكُّن أحزاب الوسط من استرجاع بعض بريقها، واختفاء أحزاب اليسار من المشهد البرلماني تقريبًا.

يعمد الكتاب إلى تحليل تلك المناخات التي طبعت تلك النتائج، إضافة إلى الخطاب الانتخابي والإعلامي الذي رافق تلك المحطّة، محلّلًا في الوقت ذاته النتائج ودلالاتها الثرية والعميقة. ولا يغفل أيضًا صعود الرئيس قيس سعيد إلى الرئاسة، وهو المرشّح القادم من خارج الثقافة السياسية التقليدية للنخب والأحزاب التونسية، والذي سيظل فوزه يطرح أسئلة حول "جاذبيته" وقدرته الفائقة على استغلال أمراض الديمقراطية التونسية، بعد أن استطاع أن يقدّم عرضًا انتخابيًّا مغايرًا لما ألفه الناخبون في سياق اقتصادي واجتماعي شديد الصعوبة.

يحلّل الكتاب المناخات التي طبعت نتائج انتخابات 2019، إضافة إلى الخطاب الانتخابي والإعلامي

يتناول محمد شفيق صرصار القانون الانتخابي الذي لا يمثّل، بحسب رأيه، مجرّد قواعد تقنية محايدة، بل يعكس خيارات سياسية تتعلق بحق الاقتراع وطبيعة التمثيل النيابي والعدالة الانتخابية والبحث عن الاستقرار السياسي.

أمّا محمد الإمام، فيبحث في "المناخات الانتخابية: المظاهر والخفايا والديناميات"، فلا يخفي طموحًا حذرًا، وهو يهتمّ بفهم المناخات والديناميات التي صاحبت المواعيد الانتخابية لعام 2019 وتفسيرها بالرجوع إلى استراتيجيات الفاعلين والتعديلات التي يجرونها عليها وفق مقتضيات السياق المتغيرة.

ويقدّم ناجي العرقوبي "قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية التونسية في عام 2019: إعادة تشكّل المجال السياسي"، من خلال اعتماد مناهج بحث الجغرافيا الانتخابية التي تمكّن من تحليل نتائج الانتخابات بأبعادها ومدلولاتها السياسية في العلاقة بالمجال الجغرافي خصوصًا، وتحديد منطق توزّع أنماط التصويت في الحواضر والقرى والأرياف، على أمل أن يتم استنادًا إلى ذلك اختبار مقولة "إعادة إنتاج" المجال السياسي وتغيير قواعد حيازة السلطة؛ ولأجل ذلك، يعرض خصوصيات النتائج في مختلف الدوائر الانتخابية، موضحًا صلاتها بالبعد الجغرافي المحلي والجهوي والوطني، مبرزًا في الوقت نفسه دلالات تَوزّع الأصوات التي تحصّلت عليها الأحزاب أو القوائم ... إلخ.

غلاف الكتاب

أمّا الباحثة أسماء نويرة، فتتناول في بحث بعنوان "المرأة والانتخابات: الانتخابات التونسية عام 2019 من منظور النوع الاجتماعي"، الانتخابات من منظور النوع الاجتماعي ومشاركة المرأة فيها ورهانات حضورها ضمن قوائم انتخابية وفق مبدأ التناصف. وانطلقت الباحثة في تحليلها من مسلَّمتين: الأولى ما تتيحه الأنظمة الديمقراطية للنساء من تمثيلية عالية، على الرغم من أن سلطتهنّ السياسية الحقيقية تبقى ضعيفة. أمّا الثانية، فهي انخفاض مستوى تمثيل المرأة في بدايات تجارب الانتقال الديمقراطي الذي سرعان ما يجري تداركه ليتعزّز شيئًا فشيئًا، وتزامنًا مع توسّع دوائر الحقوق والحرّيات العامّة؛ إذ تعتبر مشاركة المرأة السياسية، على المستوى النظري، مقياسًا لترسيخ الديمقراطية. وخلصت أيضًا إلى أنّ متغير الجندر لم يكن حاسمًا في هذه الانتخابات، على الرغم من الحضور البارز له "قضيةً" أو فاعلًا.

وتحت عنوان "الأحزاب السياسية وتحوّلات الخريطة السياسية خلال انتخابات عام 2019"، حلّل منير الكشو، تداعيات نتائج هذه الانتخابات على المشهد السياسي العام في تونس، وحاول أيضًا تفسير فشل الكثير من الأحزاب السياسية التونسية في الفوز في الانتخابات الرئاسية. كما توقّف أمين بن مسعود في دراسته "ما بين مقتضيات الوظيفة وانحرافات التوظيف: أيّ أعلمة للانتخابات التشريعية والرئاسية؟"، عند تحليل الخطابات الإعلامية التي تشكّلت في سياق انتخابات عام 2019 والتعامل معها باعتبارها مَخْبرًا لفهم مدى تملّك المؤسّسات الإعلامية مهمّاتها وكيفية أدائها أدوارها ووظائفها الرمزية. ولم يغفل الباحث أيضًا البحث في تأثير وسائل الإعلام في مسار هذه الانتخابات.

"التوافق والتحالف في الانتخابات: مشكلات المشهد السياسي خلال مسار الانتقال الديمقراطي"، عنوان دراسة حافظ عبد الرحيم الذي يناقش فيها التحالفات السياسية التي لازمت المشهد السياسي التونسي منذ الثورة، وتحديدًا بعد ما أفرزته الانتخابات التشريعية من نتائج. وأنزل هذه التحالفات المعقودة بين الفاعلين السياسيين في سياق مشهدٍ سياسي يتشكّل، ويعيد تشكيل نفسه، مع انطلاق كل تجربة انتخابية تتسم عادةً بالتجاذبات المختلفة المصحوبة بجملة من الرهانات والمنافسات الحادّة.

واعتنى الباحث محرز الدريسي في بحثه "المستقلّون والمبادرات المواطنية والانتخابات"، بمساهمة المنحى الاستقلالي في تجديد أشكال التنافس الانتخابي وتطوير الديمقراطية، إضافةً إلى صيغ المشاركة في الشأن العام، وإثراء الثقافة السياسية، خصوصًا أنّ المستقلّين حرصوا على حق الممارسة السياسية على نحوٍ مغاير ومختلف. وتوقّف الدريسي عند الفجوة بين الزخم السياسي والإعلامي الذي أحدثته الأحزاب من جهة، ونتائجها الانتخابية الضعيفة المباغتة من جهة أخرى.

وضمن بحث بعنوان "المنظّمات الوطنية والمجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل والانتخابات"، عرض الباحث عبد السلام الككلي مراحل وخطوات مرافقة الجمعيات المدنية المهتمة بالشأن الانتخابي والمنظمات الوطنية المسار الانتخابي في حلقاته المتسلسلة، بينما يعرض طارق الكحلاوي تحت عنوان "انتخابات عام 2019 وتشكيل الحكومة: تعقيدات المسار وغموض المآلات"، المسارات الملتوية والمضنية لتشكيل الحكومة، بُعَيد صدور نتائج الانتخابات. ويتوقّف عند بروز "القوى الجديدة" وخفوت دور "نخبة ما بعد 2011"، في انتخابات عام 2019، مولِيًا في الوقت ذاته عناية خاصّة لتأثير الذاكرة السياسية المجروحة في مواقف وسلوك مختلف الأطراف السياسية التي فقدت الثقة في ما بينها، تقريبًا.

المساهمون