بحلول القرن السابع عشر، استعاد طريق الحرير مكانته كجسر للتبادل التجاري بين أقصى الشرق وصولاً إلى أوروبا، ما عزّز اقتصاديات العديد من الدول الواقعة عليه، ومنها المغولية والعثمانية والصفوية، حيث صدّرت الأخيرة الخزف والزجاج والسجاد والنسيج والمشغولات المعدنية التي عبّرت عن تمازج مؤثرات فارسية وهندية وصينية بأساليب غربية.
"تشكيل إمبراطورية: منسوجات صفوية من متحف الفن الإسلامي بالدوحة" عنوان المعرض الذي افتتح في الثامن عشر من الشهر الجاري في "المتحف الوطني للفنون الآسيوية" التابع لـ"مؤسسة سميثسونيان" بواشنطن، ويتواصل حتى منتصف أيار/ مايو المقبل.
منسوجات تحاكي زخارفها الشاهنامة وقصة خسرو وشيرين ومجنون ليلى
يضيء المعرض الدور الذي لعبته المنسوجات والتحف وقطع الأثاث الفاخرة كسلعة اقتصادية حقّقت أرباحاً هائلة لإيران بين عامي 1501 و1772، وعكست طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية في بلدٍ شهد آنذاك قيام عشرات المصانع في عدد من حواضره، مثل يزد وأصفهان وقاشان ومشهد وشروان، وامتازت منتجاتها بنعومة السطح ودقة النسج واتزان الألوان وجمالها.
وتمّت استعارة الأعمال المعروضة من "متحف الفن الإسلامي" في قطر، والذي يحتوي مئات من القطع الفنية كانت جزءاً من معرض ضخم أقامه عام 2017 تحت عنوان "نسيج الإمبراطوريات"، وهي من تصميم عدد من الفنانين الذين عُرفوا باسم "الكتاب خانة" وكانوا يعملون لصالح البلاط الملكي الصفوي، في ورشة عمل متخصّصة، إلى جانب زخارف فنية أنتجت في عهد حكّام محبّين للفنون مثل الشاه طهماسب (1514 - 1578).
ويضمّ المعرض مجموعة من المنسوجات الحريرية المطرزة بالفضة المذهبة أو المكسوة بالفضة، بعضها مستوحى من المناظر الطبيعية بما تحتويه الزهور والفروع النباتية والمراوح النخيلية ومناظر الحدائق والطيور والغزلان، والتي مثّلت ذروة النضج في الفن الصفوي، خاصة مع إدخال تقنيات وأشكال مستمدّة من الفنون التقليدية في الصين.
وتبرز هذه المنسوجات محاكاة زخارفها لمشاهد مقتبسة من ملحمة الشاهنامة وقصة خسرو وشيرين ومجنون ليلى، أو منظومات الشعراء الإيرانيين، أو مناظر تمثّل الأمراء والنبلاء في الصيد، وكذلك مناظر الحفلات في الحدائق والهواء الطلق، أو رسوم ملائكة تعزف على آلات موسيقية أو تحمل التحف والهدايا، أو حيوانات حقيقية وخرافية، وغيرها.
وتُعرض أيضاً ثلاث لوحات زيتية استثنائية متأثرة بالأسلوب الفني الأوروبي في القرن السابع عشر، حيث بدأ كسر بعض التقاليد بعد تعرّف العديد من الرسامين على المدارس الكلاسيكية في القارة العجوز، وانسحب ذلك على رسم الجداريات في تلك الفترة، خاصة في شكل الأجساد المرسومة وتشريحها، بالإضافة إلى عدد من المخطوطات واللوحات التوضيحية التي تبيّن كيفية استخدام المنسوجات.
يُذكر أن المعرض المخصّص للفنون الصفوية التي استمرّت قرابة مئتي عام، يأتي ضمن فعاليات "العام الثقافي قطر - أميركا 2021"، ويوضّح أهمية المنسوجات اليدوية باعتبارها جزءاً أساسياً من قنوات التبادل السياسي والتجاري بين الشرق والغرب.