"اللاهوت السياسي" لكارل شميت: طبعة ثانية

02 يناير 2025
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العلاقة بين اللاهوت والسياسة: يوضح كارل شميت في كتابه "اللاهوت السياسي" أن مفاهيم الدولة الحديثة هي مفاهيم لاهوتية مُعلمنة، ويرد على مقولات إريك بيترسون حول نهاية اللاهوت السياسي.

- فكر شميت السياسي: يبرز الكتاب فكر شميت الذي يفضل إعطاء الرئيس صلاحية إعلان الطوارئ، ويعرّف الديمقراطية كمساواة بين المواطنين واستثناء الآخرين، ويتنبأ بنشوء كيانات جديدة تُسمى "مجالات".

- تفنيد نهاية اللاهوت السياسي: يفند شميت مقولة بيترسون حول إنهاء اللاهوت السياسي، مشيرًا إلى أن الكتاب يقتصر على القرون الأولى للمسيحية ويؤدي لاستنتاجات غير منطقية.

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت الطبعة الثانية من ترجمة كتاب "اللاهوت السياسي"، من تأليف الفيلسوف السياسي الألماني كارل شميت ​(1888 - 1985)، وترجمة رانية الساحلي وياسر الصاروط.

وكان المركز قد أصدر في 2018 الطبعة الأُولى لترجمة الكتاب الصادر بالألمانية من جزأين؛ صدر أوّلهما عام 1922 بعنوان "أربعة فصول عن مفهوم الحكم"، وثانيهما عام 1970 بعنوان "أسطورة إنهاء كلّ لاهوت سياسي".

يناقش الكتاب علاقة السيادة والحُكم باللاهوت، الذي قرنه شميت بالسياسة وأورده في الجزء الأوّل موصوفاً بها (اللاهوت السياسي)، وكذا الردّ على مقولات إريك الذي قال بنهاية اللاهوت السياسي وتفنيدها. وقد اعتبر مراقبون كثر، إثر صدور الجزء الأوّل، أنّ كارل شميت أوّل من استعمل مصطلح "اللاهوت السياسي" في علم السياسة، وهو يشرحه في الكتاب بالقول إنّ "مفاهيم النظرية الحديثة للدولة (...) لاهوتيةٌ مُعلمَنة".

برزت في الكتاب ملامح عدّة لمنحى شميت الفكري السياسي؛ فهو يعتبر إعطاء الدستور الرئيسَ وليس البرلمان صلاحية إعلان حالة الطوارئ نقطة إيجابية، فالبرلمان في رأيه يعتمد الحلول الوسط بعد نقاشات عقيمة، والدستور لدى شميت شطران: حقوقي وسياسي، وتقع حقوق الإنسان الأساسية في الأوّل منهما، لكنه يعارض الفكرة التي تنادي بحقوق الإنسان العالمية التي يقول بها الليبراليون. أمّا الدولة الحديثة فيُعرّف ديمقراطيتها بأنّها "هوية المسيطِر والمسيطَر عليهم، والحاكِم والمحكومين، والآمر والمطيعين". ويعتبر شميت جوهر الديمقراطية في مساواة مواطني الدولة واستثناء مواطني الدول الأخرى، مع وجوب التحول عند تهديد النظام العام نحو الديكتاتورية.

أمّا أهمّ الملامح التي برزت في الكتاب؛ فهو تنبؤ شميت في "نظرية الأنصار" (عام 1962) بالوضع الدولي اليوم عندما قال: "عصر الكيانات الدولتية قد انتهى"، ويرى هذا في انحلال الدول ونشوء كيانات جديدة على أنقاضها (الاتحاد الأوروبي مثالاً) يُسمّيها "مجالات"، فالولايات المتّحدة مثلاً "مجال كبير"، والأرض سوف تنقسم إلى "مجالات كبرى" يفرضها التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والثقافة... وبمثل تحوُّل الكيانات إلى "مجالات"، سوف تتحوّل، برأيه، القدرة على احتكار شنّ الحرب من الدول إلى محاربين غير تابعين لدول، متماهين مع أهداف مجموعاتهم، ويضحّون بكلّ شيء لتحقيق أهدافهم، وسمّاهم "الأنصار"؛ وهو ما ينطبق على من يسمّيهم الإعلام اليوم "الإرهابيين" أو "المقاومين" أو "المجاهدين" أو "الثوّار"... وغير ذلك.

يتضمّن الجزء الأوّل من اللاهوت السياسي أربعة فصول عن مفهوم الحكم؛ أغفل شميت في الفصلين الأولين أيَّ ذكر للاهوت، وخصّصهما للحديث عن سيادة الدولة ونقد آراء مفكّرين سابقين أو معاصرين فيها. وفي الفصل الثالث حاول إثبات علاقة وثيقة بين علمَي اللاهوت والتشريع، واستعرض تطوّر نظرة اللاهوت الحديث إلى السياسة والقانون والسوسيولوجيا، من خلال عرض مسهب ومركَّز ونقدي لطروحات مفكّرين عالجوا هذه المسألة. أمّا الفصل الرابع، فخصّصه لنقد فلسفة الدولة عند مفكّرين كاثوليك يمثّلون تياراً "مضادّاً للثورة" في اللاهوت السياسي، وهم: جوزف دو ميستر، ولويس دي بونالد، ودونوسو كورتيس.

أمّا الجزء الثاني، "أسطورة إنهاء كل لاهوت سياسي"، فكتبه شميت عام 1969 ونشره بداية 1970، وخصّص فصوله الثلاثة لتفنيد ما نعته بـ "الأسطورة"، وهي مقولة إريك بيترسون ‎"إنهاء اللاهوت السياسي" التي نصّ عليها في كتابه "التوحيد باعتباره مشكلة سياسية: مساهمة في تاريخ اللاهوت السياسي في الإمبراطورية الرومانية" (1935).

عرض شميت في الفصل الأول من الجزء الثاني محتويات مقولة بيترسون، اللاهوتي البروتستانتي الذي اعتنق الكاثوليكية، ونفذ من نقاط ضعفها لتفنيدها، بعد أن هاجم بشدّة من يأخذ بها. وفي الفصل الثاني استعرض شميت تطوّر نظريات اللاهوت السياسي منذ عشرينيات القرن العشرين إلى ستّينياته؛ أي في الفترة الفاصلة بين جزأَي كتابه الأوّل والثاني، معتبراً أنّ إنهاء أيّ لاهوت سياسي لا يرتبط قطعاً بإنهاءات ملحدة وفوضوية ووضعية، وبالأخص مع بيترسون، الذي لا يعتبره شميت وضعياً ككونت، ولا فوضوياً كبرودون وباكونين.

أمّا الفصل الثالث، فاعتبر أنّ كتاب بيترسون المذكور أطروحة تاريخية فيلولوجية تقتصر مصادرها موضوعياً على القرون الأولى للمسيحية، وتعالج ملاحظاتها هذه الحقبة فحسب، كما أنّها تشير إلى إدخال "أطروحة" كتبها شميت مصطلح "اللاهوت السياسي" (أي هذا الكتاب)، ليخلص لامنطقياً إلى الاستحالة اللاهوتية للاهوت السياسي.

المساهمون