الغرفة الدمشقية.. زخارف عاصمة القوافل والحجّ

02 اغسطس 2023
منظر أمامي لـ"الغرفة الدمشقية" في "متحف الفنّ الإسلامي" بالدوحة، (حسين بيضون)
+ الخط -

في أواخر العام الماضي، اكتمل تحضير الغرفة الدمشقية في الطابق الثالث من "متحف الفنّ الإسلامي" بالدوحة، وتتكوّن من 427 قطعةً، منها 178 خشبية، و249 قطعة حجرية.

وبحسب التاريخ المنقوش على إحدى القطع، فقد اكتمل بناء الغرفة عام 1232 هجرية (1816 - 1817 ميلادية)، وهي موجودة في "قاعة عرض الفنّ العثماني"، بعد سنوات من الترميم، لتكون واحدة من الغُرف الدمشقية المُنتشِرة حول العالم.
وإذ تختلف الغُرف في مساحاتها بحسب قدرات وميول الطبقة الثريَّة في دمشق، فإنَّ الوظيفة الاجتماعية منها هي الضيافة، والتقنيات الحِرَفيَّة تتشارك في استحضار زخارف "العجمي" المشهورة في الشام، واستخدام ورق الذهب والأصباغ الثمينة والورنيش والمرايا وزخارف الركوكو الأوروبية.

يعود بناؤها إلى مطلع القرن 19، وتتكوّن من 427 قطعةً

تتكوّن الغرفة التي نُعاينها في المتحف من مُرتقى بارتفاع عتبةٍ يُفضي إلى سجّادة. تصطفّ أسفل الجدران الثلاثة المفارش والوسائد. وتبدو الجدران من الأسفل حتّى حدود السقف مثل أبواب خزانات، أو لوحات طُوليّة منقوشة بالأشعار وأسماء الله الحسنى. أمّا الكُوى التي تتوزّع بمهارة، ففيها مقتنيات زجاجيّة مَطليّة بتأثيرات من الرسومات الأوروبية للطبيعة، وأوانٍ خزفيّة من الخزف الإزنيقي نسبةً إلى إزنيق في تركيا.


مدينة الحج والتجارة

يعكس النموذج الذي يظهر في هذه الغرفة، إضافة إلى الوجاهة الاجتماعية خلال القرون العثمانية، ازدهار دمشق على صعيد التجارة، بوصفها مركز الحجّ الشامي الذي يبدأ من دمشق، ويقطع البادية الأردنية إلى الديار المقدّسة في مكّة والمدينة المنوَّرة. إنَّ القوافل بما تُمارسه من أنشطة تجارية ووسيلة نقل الحُجّاج هي أيضاً حاملةُ أفكارٍ وخبرات اندمجت في دمشق، ومن ذلك الفنّ العجمي الذي يحمل، وفق العديد من الباحثين، تأثيرات فارسية وتركية وهندية، وهو على أيدي حِرفيِّي الشام بات تقليداً متوارثاً يتفنّنون في تشكيل خشبه وألوانه وزخرفته النباتية والهندسية.

الصورة
خزف إزنيقي - القسم الثقافي
خزف إزنيقي وأوان زجاجية (تصوير: حسين بيضون)

هذا هو العالَم الكوزموبوليتي الذي تُشير إليه جوليا غونيلا، مديرة "متحف الفنّ الإسلامي"، وهي باحثة في الفنّ والآثار الإسلامية، قضت عشر سنوات في أعمال التنقيب الأثري بقلعة حلب، وعملت سابقاً لدى "متحف الفنّ الإسلامي" في برلين. بالنسبة لها، تعدّ الغرفة الدمشقية التي رُمِّمت ويعرضها "متحف الفن الإسلامي"، ضمن مجموعته الدائمة، القطعة الأقرب إلى قلبها، وذلك لارتباطها بالمجتمع السوري لسنوات طويلة، أَنجزت خلالها العديد من الدراسات وأشرفت على العديد من المعارض.


مقارنة بين غرفتين

وبوجود مُشتركات فنّية معهودة، إلّا أن الغرف في أماكن مختلفة من العالم قد تشهد تطويرات فنّية، وهذا ما سألنا عنه جوليا غونيلا، عند المقارنة بين الغرفتين الأولى في "متحف المتروبوليتان" ويعود تاريخها إلى 1707، والثانية الموجودة في "متحف الفنّ الإسلامي"، والتي تعود لعام 1816.

تنتشر الغرف الدمشقية في متاحف العالم مثل برلين ولندن

تقول غونيلا لـ"العربي الجديد": "إنّ الغرفتين صُنعتا بتقنية واحدة، هي تقنية العجمي المُميَّزة، التي شاع استخدامها في سورية العثمانية، لتنفيذ الديكورات الداخلية الخشبية. تتضمّن هذه التقنية وضع الجصّ فوق الخشب وتزيينه بورق الذهب، ثم إضافة رقائق القصدير الملوّنة وطلاء تمبرا الأبيض اللامع". 

ويَكمن الاختلاف بين الغُرفتين بشكل أساسي في أنماط الزخرفة، فالأولى التزمت بالأنماط العثمانية التقليدية والتأثيرات الهندية الفارسية، بينما استُخدمت في الثانية - الموجودة في الدوحة -، عناصر مختلفة مأخوذة من طراز "الروكوكو" الأوروبي، مثل الأشكال المقوّسة والمرصعات الصغيرة مع تمثيلات المناظر الطبيعية والمرايا، التي أصبحت أكثر رواجاً في القرن التاسع عشر.

الصورة
سقف الغرفة - القسم الثقافي
سقف الغرفة (تصوير: حسين بيضون)

أمَّا السقف الذي تحتفظ به قلّة من الغرف الدمشقية، فيعود إلى زواله أصلاً أو عدم وجود مساحة كافية لعرضه. لكن في الدوحة، كما تُخبرنا مديرة "متحف الفنّ الإسلامي"، فقد: "حالفنا الحظّ بأن يكون السقف الأصلي موجوداً ضمن أجزاء الغرفة، كما ساعدنا ارتفاع جدران قاعات عرض 'متحف الفن الإسلامي '، على تركيب السقف الأصلي دون متاعب تُذكر".

وعلى وجه التقريب، تقول جوليا غونيلا: "إن هناك العديد من الغرف الدمشقية في متاحف حول العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في بيروت وبرلين (من حلب)، ودرسدن، وقريباً في لوس أنجليس، كما تخضع بعض الغرف حالياً للترميم، مثل تلك الموجودة في لندن أو سينسيناتي".


أضرار جسيمة

وتلفت إلى أنّ من الضروري معرفة أنّ هناك تصميمات داخلية تاريخية لا تزال موجودة في الأحياء القديمة بسورية نفسها. لسوء الحظ، كما تُضيف، تعرّضت العديد من هذه المواقع لأضرار جسيمة خلال الحرب الأهلية في السنوات الأخيرة، أو تعرّضت للنهب مثلما حدث في "بيت غزالة" الرائع في حلب.

تبدو الغُرف منتمية إلى طبقة ثريّة قليلة العدد، فمن يعاين الغرفة وما فيها من شغل زخرفي، سيتساءل عن مدى شيوع هذه الفنون الحِرَفية في المجتمع الواسع وفي طبقاته الأدنى ثراء.

ووفق ملاحظة غونيلا، انتشر هذا النوع من الزخارف الخشبية في البيوت التقليدية السورية لعدة قرون. ورغم أن بيوت الطبقة الثرية كانت تزخر بتصميمات داخلية أجمل وأكثر فخامة، "مع زخارف مَطليّة رائعة، إلّا أن هناك نماذج أبسط انتشرت في بيوت الفئات الاجتماعية الأقل ثراءً. كانت الغرفة الأجمل في البيت تُخصّص عادةً لاستقبال الضيوف".

غير أنّ بدايات القرن العشرين، شهدت انصراف الأذواق عن هذا النوع من التصميمات الداخلية، ما دفع الناس إلى تجديد منازلهم أو حتى الانتقال من الأحياء القديمة إلى أماكن أكثر حداثة. والنتيجة كما خلصت مديرة "متحف الفن الإسلامي" كانت تدمير الكثير من "هذه الزخارف الجميلة أو بيعها، حتى وجدت طريقها إلى الأسواق الفنّية في نهاية المطاف".

ومثَّل هذا الانتقال تحوُّلاً كبيراً في تفضيلات التصميمَين المعماري والداخلي، وأدّى إلى تشتُّت وبعثرة هذه الزخارف الخشبية التي كانت شائعة في السابق، وفقاً لقولها.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون