لا تزال تشكّل السوريالية، في لحظة الإعلان عنها في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1924، حدثاً مهمّاً ليس في تاريخ الفن فحسب، إنما على صعيد التوجّهات الفكرية والسياسية في أوروبا خلال فترة تصاعدت فيها تيّارات عديدة ضدّ القيم والأنظمة التي سادت في القارة قبل الحرب العالمية الأولى.
نظّر الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (1896 – 1966) للسوريالية بوصفها تعبيراً عن الواقع بعيداً عن أي تحكّم خارجي أو مراقبة تمارَس من طرف العقل وخارجة عن أي انشغال جمالي أو أخلاقي. ووفق هذه الرؤية، شارك السورياليون ضمن الاحتجاجات السياسية في أوروبا والولايات المتحدة آنذاك.
"كائنات الرغبة: السوريالية والتصميم من 1924 إلى اليوم" عنوان المعرض الذي افتُتح في "متحف التصميم" بلندن في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ويتواصل حتى التاسع عشر من الشهر المقبل.
يستعيد المعرض بدايات السورياليين في العشرينيات من القرن الماضي حين قدّموا نماذج فنّية تنزاح عن الواقع بل وتمارس عنفها وتفكيكها له، مثل رف الزجاجات الشائك لدوشامب، ثم تصدّر المشهد سلفادور دالي في الثلاثينيات بهاتف الكركند وتلاعبه بالوجوه والأجساد، الذي انعكس بشكل كبير على عالم الدعاية والإعلان، وصناعة الأفلام.
يقدّم المنظّمون سرداً متسلسلاً واضحاً لتطوّرات السوريالية خلال قرن من الزمن، وتأثيرها في مجالات فنية متعدّدة، ومنها التصوير الفوتوغرافي الذي أظهر بعد نهاية الستّينيات التغيّرات الهائلة التي تناولت مفهوم الحرّية الجنسية والفردية في الغرب، إلى جانب أعمال لفنانين مثل سارة لوكاس ومان راي وآخرين.
يركّز المعرض على المهمّة الصارمة التي حدّدتها السوريايلة لنفسها، وتحديداً في أواخر الثلاثينيات، في إشارة إلى اجتماع ليون تروتسكي مع أندريه بروتون في مدينة مكسيكو، حيث صاغا معاً بياناً سمَّوه "نحو فنّ ثوري حر"، والذي انعكس في تمرّد السورياليين على البُعد التجاري والاستخدام القابل للتسويق في التصميم خاصة في ما يتعلّق بالديكور والأثاث المنزلي.
علاقة السوريالية بالتصميم أثارت جدلاً منذ تلك الفترة، كما يوضّحها السرد المرافق للأعمال المعروضة، التي تلفت إلى فكرة أساسية حول الاعتقاد الراسخ لدى السورياليين بعالمية أفكارهم التي يدلّ عليها انتشارها في جميع القارات، لكن ثمة مَن يناقض هذا الاعتقاد باعتبار أن السوريالية تمثّل واحدة من العلامات التجارية التي وإن بدت مخالفة للسائد من القيم البرجوازية، إلا أنها لا تعدو كونها تعبيراً عن استياء من هذه القيم فقط.