"الريح القوية": مسرح يون فوسه في إطلالة إسبانية

24 ديسمبر 2024
من العرض (خافيير نافال)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسرحية "الريح القوية" ليون فوسه، الحائز على نوبل 2023، تُعرض في مدريد بإخراج خوسيه ماريا إيسبك، وتتناول قصة رجل يكتشف انتقال شريكته لعلاقة جديدة، مما يثير تساؤلات حول الهوية والعلاقات.
- تتميز المسرحية بأجواء توتر وغموض، مع أسئلة حول الواقع والخيال، والهوية والذاكرة، بأسلوب يذكر بمسرح بيكيت، حيث تُستخدم عبارات قصيرة وتكرارات لخلق بيئة مبهمة.
- يصف المخرج المسرحية بأنها ذات "فولتاج شعري عالٍ"، تدعو الجمهور للتفكير في الزمن والواقع، حيث يُعتبر الوقت خدعة كبيرة تُلقي بالشخصيات في رحلة تأمل.

مسرح يون فوسه، الكاتب النرويجي الحاصل على "جائزة نوبل للآداب" عام 2023، مليء بإحالات إلى الطبيعة ومفرداتها، بدءاً من عناوين مثل "حلم الخريف" (1998)، و"أنا الريح" (2008)، و"الريح القوية" (2021). والأخيرة هي العمل المسرحي الذي يُعرض حالياً على خشبة "المسرح الإسباني" في مدريد، وحتى الثاني من شباط/ فبراير المقبل، بإخراج الإسباني خوسيه ماريا إيسبك.

يتتبّع العمل رجُلاً لا اسم له إلّا "الرجُل"؛ والذي ما إن يعود إلى منزله في الطابق الرابع عشر من رحلة لا يعرف إلى أين كانت، حتى يكتشف أنّ المرأة التي من المفترض أنّها تنتظره، والتي لا اسم لها في العرض إلّا "المرأة"، قد انتقلت إلى منزل جديد، وأنّها الآن على علاقة جديدة مع شابّ، لا اسم له هو كذلك إلّا "الشاب". 

في البداية يقدّم النصّ أصوات الشخصيات الثلاث التي تجوب فضاءً غير دقيق في زمن لا يتوافق إلّا مع عالم واحد، هو عالم الأحلام. ومع تقدُّم القطعة، تبدأ الشكوك: هل يمكن أن يكون الرجُلان الشخصية نفسها في عمرين مختلفين؟

هنا ينفتح العمل على بيئة من التوتّر والارتباك والغموض. لكنّه ينفتح أيضاً على أسئلة سيطرحها المتفرّج: هل أخطأ الرجُل في منزله؟ هل هو تحت تأثير الهلوسة؟ هل هو ميت؟ وكم حجم الذاكرة وحجم الحياة في رحلة الكلمة المكتوبة؟ كم عدد الهويات التي تخفيها الكلمات والأفعال؟ ومن أين يأتي الصوت؟ وما المسافة الموجودة بين هذه الشخصيات أو الأصوات؟

لا شيء أكثر من عبارات قصيرة وقوافٍ واستعارات وتكرارات

لكن يبدو أنّ التوتر والارتباك وهذه البيئة المبهمة عموماً، متعمَّدة، بدءاً من اللغة القريبة إلى عالم الأحلام، ومروراً بالشخصيات التي ليست لها معالِم واضحة. شخصياتٌ ليست متطوّرة نفسياً. كما أنّ المحادثات بينها بسيطة، ما يُذكّرنا بمسرح بيكيت. حتى الزمان والمكان ليسا محدَّدين بدقّة. لا شيء أكثر من عبارات قصيرة. تكرارات. استعارات. قواف داخلية. كلّ شيء سريع وقويّ وحادّ وبارد، تماماً مثل الريح القوية؛ عنوان المسرحية. ربما من هنا يمكن أيضاً فهم خيارات المُخرج، حيث أنشأ مساحات شفّافة وغامضة ومُريبة تسمح بخلق قواسم مشتركة لهذا العالم الذي تعيشه الشخصيات الثلاث ولحبكة العمل نفسها.

يكشف فوسه في عمله عن القوى الخفيّة التي تسكننا وتتحوّل إلى موضوعات عميقة: الحبّ والموت، الزمان والمكان، الخيانة والغيرة، الشكّ واليقين، الحلم والواقع. هذه الموضوعات هي الخيط الوحيد الذي نستطيع أن نتبعه كي نبحث عن خلاص البطل من هذا العالم الضبابي، وهو خلاص في غير أوانه، لأنّ الحياة، كما تبدو في المسرحية، ذكريات متشابكة وتمثيل عقلي. إنّها محاكاةٌ وخيال. فقط عندما نصل إلى نهاية العمل، مثل أبطال الروايات، سنفهم أنّ الوقت كان خدعة كبيرة. حينها سنطرح جميعاً على أنفسنا سؤال: لماذا تلقي بنا الريح القوية من منحدر الزمن؟

في بروشور العمل، يقول المخرج عن المسرحية إنّها ذات "فولتاج شعري عالٍ بعيدٍ كلّ البعد عن الأشكال الدرامية المعتادة، لكنّه متّصل بشكل عميق مع التساؤلات الإنسانية الكبرى". ربما في هذا ما يفسّر الكثير من غموض العمل، وربما هذا ما يجب أن يدفع المتفرّج إلى عدم محاولة فهمه بالمنطق، بل تقبّله بطريقة شمولية، ذلك أنّ المعنى يخرج من الكلّ.

"الشعور الذي ينتابني تجاه العمل هو أنّه مثل الريح. لذا يسير الفكر والرياح معاً. في بعض الأحيان يكون الجوّ أكثر دفئاً، وفي أحيان أُخرى يكون الجوّ بارداً. وهذا هو حال المسرحية". يقول خوسيه ماريا إيسبك.

المساهمون