الروائي في البيت

09 فبراير 2024
فاتح المدرس/ سورية
+ الخط -

هل من الضروري أن يكون الراوي، أو الروائي ابناً للبيت كي يستطيع الكتابة عنه؟ أي هل من الضروري أن يكون الروائي عارفاً خبيراً بأحوال البيت في المكان الذي يشهد حضور شخصياته من الداخل، أي من تفاصيل الحياة اليومية التي لا يعرفها الناس الذين يعيشون في الخارج؟

والمقصود هنا البيت بالمعنى الشائع الذي نستخدمه في بلاد الشام، أي البيت الدمشقي أو الحمصي أو الحلبي أو غيرها. تتقاطع الآراء بين نعم ولا. أمّا نعم، فإنّ الرواية التي تريد أن تكون شخصياتُها من أبناء أيّ بيئة، والكلمة تتّسع لمدينة وقرية وهُم يخوضون في مشاكل، ومسائل، وقضايا، ومصاعب، وأفراح الحياة، لا يمكنها إلّا أن تدخل إلى البيت حيث يكون الروائي، أو الراوي، وكلاهما يتناوبان المسؤولية، من القادرين على معرفة أولئك الذين يعيشون بداخله، لا في سلوكهم الخارجي، بل، في خصوصياتهم الروحية والنفسية، في عاداتهم وتقاليدهم، في لهجتهم وطريقة تعبيرهم عن أنفسهم.

لا يتعلّق هذا بالواقعية، بل بالصدق. تستطيع رواية مثل ثلاثية نجيب محفوظ أن تُقدّم للقارئ اقتراحاً خصباً لمعنى العلاقة بين الرواية والبيت، إنّها ابنة بيوت المدينة، وأحيائها، وغرف النوم والطعام والطبخ فيها. لكن التسلّل إلى أيّ مكان حميم في البيوت لا يكون الغرض منه مشاهدة الحميم ذاته وحسب، بل فحص الطرائق والأساليب التي يتعايش فيها الرجال والنساء، بما يوحي بأنّ هذه العلاقات هي خصوصية اجتماعية لا يمكن تقليدها، أو نقلها، أو روايتها، إلّا بوصفها بيئة القاهرة، وربما تكون أيضاً بيئة حيّ من أحياء القاهرة، مثل قصر الشوق، أو السكرية.

لماذا لم يكتب روائيٌّ سوري من الشمال روايةً عن الجنوب؟

ويتكرّر هذا السؤال، وهو سؤال إشكالي، في مواجهة الرواية السورية اليوم: لماذا لم يكتب روائي سوري من الشمال روايةً عن الجنوب؟ ولماذا لم يكتب روائي من الساحل السوري رواية عن منطقة البادية وروح سكّانها؟ والبيئة السورية شديدة الخصوبة أيضاً، وهي تجمع مكوّنات غنية وقادرة على منح الروائيّين مقترحات لا نهاية لها من أساليب العيش، من الشمال حيث الكرد والعرب إلى الوسط حيث بيئة البادية، إلى المدن الوسطى والساحل والجنوب.

ويمكن لهذا السؤال أن يسمح لنا بطرح سؤال آخر هو: هل يستطيع الروائي أن يكتب مثل هذه الرواية فعلاً إذا لم تكن لديه معرفة بالخصوصيات الحميمية؟ ولكن ألا تُعبّر ثلاثية محفوظ أيضاً عن روح مصر؟

لا تنفع الأجوبة النظرية قطعاً، بل الأعمال الروائية. ولهذا فإنّ مقاربة المسألة عملياً تقول إنّ معظم الروائيّين السوريّين كتبوا عن البيئات التي ينتمون إليها، وكان البيت من الداخل، أي علاقات العائلة، واحداً من أهمّ المحاور في أعمالهم، سواء كانت عن حلب أو دمشق أو الحسكة أو درعا والسويداء، وقد نالت دمشق الحصّة الكبرى من كتابة السوريّين عن مدينة، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا من أبنائها أم لا.

ولهذا الأمر أسباب سياسية واجتماعية ترتبط بالتغييرات السكّانية، وانتقال مئات آلاف السوريّين من كافّة أرجاء البلاد إلى العاصمة في العقود الأخيرة من القرن الماضي. ماذا قدّمت الرواية، وكيف رأى الروائيون البيت؟

* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون