الثقافة السياسية والحركات الاجتماعية والديمقراطية.. سياق عربي

12 مارس 2023
من ثامن جلسات الدورة التاسعة من "مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية" اليوم الأحد
+ الخط -

تناولت ثلاثُ أوراق، في الجلسة الثامنة من اليوم الثاني ضمن الدورة التاسعة لـ"مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية" المُقام في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بالدوحة، الثقافة السياسية والتصدُّعات الاجتماعية، والفعل الجمعي الاحتجاجي، والديمقراطية، خصوصاً في سياقها العربي.

وفي الجلسة التي أدارتها عائشة البصري الباحثة في "المركز العربي"، جاءت ورقة عبد القادر عبد العالي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجزائر، بعنوان "الثقافة السياسية، التصدعات الاجتماعية والديمقراطية: دراسة حالة الجزائر"، طارحاً سؤاله: "كيف تؤثّر توجهات الثقافة السياسية في العلاقة بين التصدعات الاجتماعية والتحول الديمقراطي والتحول السياسي؟".


التصدعات الاجتماعية والتحول الديمقراطي

ومع أن كل الفئات والمجموعات الاجتماعية لها توجه قيمي ثقافي متماثل لتأييد الديمقراطية أكثر من رفضها، يُرجع الباحث هذا التصدع التراكمي إلى تصدع سياسي في الأساس وتفرضه النخب السياسية على الثقافة السياسية.

ويفصّل المُحاضر ثلاث عائلات حزبية تميل إلى تعزيز تصدع تراكمي حول الهوية الدينية واللغوية، وما له من أثر ملموس في التأثير الظرفي في تراجع بعض مؤشرات الطلب على الديمقراطية، وهذه العائلات هي: الوطنيون، والإسلاميون، والديمقراطيون؛ وهي جميعها لجأت إلى خطاب إقصائي، بدل أن تعزز سردية مدنية مشتركة.

عبد القادر عبد العالي
عبد القادر عبد العالي

خلص عبد العالي إلى أن النخب السياسية في العادة، إذا أرادت أن تُفشل التحول الديمقراطي، فإنها تركز على الانقسامات الأفقية وعلى تعزيزها بانقسامات جديدة.


سياق الانتفاضات العربية

"الثقافة السياسية" ليست متغيراً تابعاً كما في الأطروحة المادية الماركسية في نسختها السوفييتية الأرثوذكسية، ولا متغيراً مستقلاً كما يرى غابرييل ألموند وسيدني فيربا. وإنما هي عامل كبقية العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي تؤثر في الواقع السياسي وتتأثر به.

ثم كيف نفسر حدوث الانتفاضات العربية وكيف يتحول السلوك السياسي للجمهور العربي من حال الخوف والخنوع واللامبالاة والقبول بالأمر الواقع، إلى التمرد والمقاومة والمشاركة؟

هذا ما انطلق منه محمد نعيمي، أستاذ في "معهد التنمية الاجتماعية" وأستاذ زائر في "المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين"، في المغرب، في ورقته "الثقافة السياسية والفعل الجمعي الاحتجاجي في سياق الانتفاضات العربية (2011 - 2019)".

محمد نعيمي
محمد نعيمي

ما انتهجه المحاضر في فحصه إمبريقياً، خلص إلى إرجاع التغير في السلوك السياسي للجمهور العربي إبان فترتي 2011 و2019، إلى تفجر انفعالات وعواطف قوية أثّرت في هذا السلوك السياسي، ثم في قيم هذا الجمهور وتوجهاته في ما بعد، لا إلى ظهور قيم ثقافية جديدة أو انخفاض تكاليف الاحتجاج.

ما عناه نعيمي هو كسر حاجز الخوف الذي يجعل الإنسان ممتنعاً عن مواجهة بطش السلطة، مشيراً إلى أن عقوداً من الخوف أوجدت هذا الإنسان المحجم عن أن يكون جمهوراً سياسياً، بيد أنه تجاوز في انعطافة كبرى خوفه، ونتج عنه على الأقل، وبتعبير ضابط في إحدى الدول العربية رداً على سؤال باحثة فرنسية، بأنّ ما وقع في 2011، ومهما كانت مآلاته، فقد حقق أمراً واحداً وهو انهيار هيبة الدولة.

وانتهى أخيراً إلى القول إن التحول الذي عرفه الجمهور العربي من الخضوع النسبي إلى مقاومة تمثل إيذاناً بانبثاق ثقافة سياسية جديدة في فضاء الاحتجاج العربي ما برحت تتعزز منذ 2011.


الحركات الاجتماعية الجديدة

ركّزت ورقة عبد المجيد السخيري، الباحث في الفلسفة والعلوم السياسية، على دلالات غياب التوليفات الفلسفية - السياسية المُلهمة للحركات الاجتماعية والمغذّية لمخيالها السياسي، بقدر ما تراهن على إنجاز تركيب فلسفي - نظري للمخيال السياسي المعاصر، انطلاقاً من تحليل بنائي جدلي لمفاصل العلاقة بين ديناميات الحركات الاجتماعية الجديدة والاستثمار في الثقافة السياسية الديمقراطية الحديثة في ظل عامل معولم ومتغير.

وتحت عنوان "الحركات الاجتماعية الجديدة والثقافة السياسية الديمقراطية: مراجعة نقدية للمفاهيم وقراءة في السياقات الدولية والمحلية"، أجرى الباحث دراسة مقارنة لتجارب الحركات الاجتماعية الجديدة في المجتمعات الغربية والجنوبية، ومنها العربية، مع مراعاة الصعوبات التي يطرحها التحرك المرن من العالمي إلى المحلي، من قبيل محدودية المقاربات الشكلية والنظرية لمفهوم الثقافة السياسية.

فحصت الورقة جملة من الفرضيات والدراسات التطبيقية انصبّت على إشكالية مدى مساهمة الحركات الاجتماعية في عملية التغيير السياسي، من خلال الأدوار والوظائف التي تؤدّيها على مستوى إنتاج الدلالات والمعاني وإبداع أشكال التنظيم والتعبئة.

عبد المجيد السخيري
عبد المجيد السخيري

وبخصوص الحركات الاجتماعية الجديدة وما تنتجه من ثقافة سياسية، ضرب مثلاً في نموذج أميركا اللاتينية، حيث استطاعت الحركات الاجتماعية إحداث تغييرات في خارطة القيم الثقافية والنظام الرمزي السائد، حتى أن أحد الباحثين اعتبر جوهرها يكمن في توليد ذاتية اجتماعية جديدة، ومن ذلك جعل الفقراء المهمشين ذوات اجتماعية مستقلة صاحبة حقوق.

وهذا ما قال إنه وقع في العالم العربي مع الحركات الاجتماعية التي قادت حراك 2011، ولم يقتصر تأثيرها الثقافي على تطوير قيم وخلخلة تمثيلات حول قضايا متنوعة، بل طاول أيضاً معجم تناولها وإنتاج مفاهيم وتأويلات عامة بشأنها.

يُذكَر أنّ أعمال الدورة التاسعة من "مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية" تُختتم غداً الإثنين، حيث تُعقد الجلستان؛ العاشرة عند 10:30 صباحاً، بمشاركة: حسن احجيج وعبد القادر ملوك؛ والحادية عشرة عند الساعة 12 ظهراً، ويشارك فيها: يوسف زدام، وعبد الله جنوف، وعلي إبراهيم محمد. كما تُسلَّم "الجائزة العربية لتشجيع البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية" في ختام المؤتمر.

المساهمون