"التعلُّم من المكان الموازي": شهادات الأسرى الفلسطينيين

16 يونيو 2023
(من معرض "نتنفس حرية" الذي ضمّ أعمالاً للأسرى وأقيم في غزة، نيسان/ أبريل الماضي)
+ الخط -

تتضمّن الوثيقة التي ينشرها "المتحف الفلسطيني" في بيرزيت، على موقعه الإلكتروني، برقيّة أرسلها رئيس بلديّة طولكرم إلى الحاكم العسكري في المدينة في السادس عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1978، يطالب فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالسماح للمُعتقلين بتأدية امتحان الثانويّة العامّة في سجن طولكرم.

ويُخصص المتحف الشهر الجاري زاوية "الإضاءة الشهرية" لنشر شهادات من أرشيفه الرقمي عن تجربة الأسرى الفلسطينيين النضالية في التعليم داخل السجون الإسرائيلية تحت عنوان "التعلُّم من المكان الموازي"،  من خلال موادّ  من بينها رسائل تبادلها الأسرى مع بعضهم أو مع أهليهم، ووثائق تُعرض مسيرتهم الثقافيّة والتعليميّة داخل المعتقل.

في تقديم هذه الوثائق، يستعاد الإضراب عن الطعام عام 1992، الذي شكّل أحد أهمّ النضالات وأكثرها فعاليّة في انتزاع الحقوق داخل السجن، حيث بدأت بانتزاع الأسرى حقّهم في الحصول على الورقة والقلم، ونجحوا من خلال الإضراب في تمكين الأسرى من التعلّم بشكل جماعي، فانتقلت عمليّة التعليم من عمليّة فرديّة؛ يتقدّم فيها الأسرى إلى المؤسّسات التعليميّة بشكل مُنفرد، إلى عمليّة جماعيّة.

رسائل تبادلها الأسرى مع بعضهم أو أهليهم، ووثائق تعرض نضالهم الثقافيّ والتعليميّ داخل المعتقل

يلفت تقديم المتحف إلى أن الأسرى اتبّعوا العديد من الوسائل التعليميّة في السجون الإسرائيليّة، في محاولة منهم لتحويل مفهوم السجن من حيّز للقمع إلى حيّز للثورة والفكر والانخراط في المعرفة الأكاديميّة، يُمكّنهم من خلق فكر تربوي مبني على أُسُس ثوريّة. وعبر البحث في الأرشيف الرقمي، وجدت العديد من الرسائل التي تبادلها الأسرى في مختلف الأقسام لطلب كتب دراسيّة، ورسائل أخرى بين أسرى وطلّابهم من خارج المُعتقلات لشكرهم على جهودهم، أو حتّى رسائل للجان متابعة المُعتقلين في الجامعات، وغيرها الكثير من المواد التي تتناول عمليّة التثقيف الأكاديمي والثوري داخل جدران المُعتقل.

رسالة من الأسير إسماعيل أبو سليم إلى الأسير نائل البرغوثي
رسالة من الأسير إسماعيل أبو سليم إلى الأسير نائل البرغوثي

كما يوضّح أن الأرشيف الرقمي يضمّ العديد من الأمثلة التي تعكس هذا الحراك داخل السجون، وواحد من أكثرها تمثيلًا رسالة من الأسير إسماعيل أبو سليم إلى الأسير نائل البرغوثي، تعود إلى العام 2001، يطلب فيها كتباً تعليميّة للّغة الروسيّة وقواعدها؛ ليستعين بها في دورة اللّغة الروسيّة التي كان يُعطيها للأسرى في "سجن نفحة".

من بين الرسائل، أيضاً، رسالة كتبها الأسير إبراهيم نواهضة إلى الأسير نائل البرغوثي في سجن عسقلان، يُوكل إليه فيها تسليم شهادة دكتوراه، كان قد أرفقها مع الرسالة، إلى الأسير الدكتور خالد مرداوي.

برقيّة مرسلة من رئيس بلديّة طولكرم إلى الحاكم العسكري في طولكرم، 1978
برقيّة مرسلة من رئيس بلديّة طولكرم إلى الحاكم العسكري في طولكرم، 1978

وتتمّ الإشارة إلى أن "للأسير المعلّم حصّة كبيرة في توثيق المسيرة التعليميّة التي خاضها الأسرى، وخلق الأمل في التعلُّم كسراً لمفهوم السجن، والذي أُوجد أساساً لكسر العزيمة"، حيث عُثر على رسالة من أميرة مخّول وهند سخنيني، أرسلتاها إلى معلّمِهما الأسير حسين مهنّا، الذي اعتقله الاحتلال الإسرائيلي عام 1978، بسبب رفضه المشاركة في الجيش الاحتياطي الإسرائيلي في حرب تشرين الأول / أكتوبر عام 1973، تعبّران فيها عن أسفهما لعدم تواجده أثناء حصولهما على شهادة المدرسة.

لم يقتصر التعليم في السجون على تعليم المناهج الأكاديميّة، بحسب تقديم المتحف، بل تعدّاه إلى محاضرات حول الفكر الوطني والثورة الفلسطينيّة، ونقاشات عن علاقة التحرّر الوطني بالتحرّر الاجتماعي، وغيرها من المواضيع الوطنيّة والاجتماعيّة.

شهادة ثانوية عامة للأسير باسم إياد الصفدي عام 1973
شهادة ثانوية عامة للأسير باسم إياد الصفدي عام 1973

ويبيّن أن الشهيد عمر القاسم، الذي قتل في السجون الإسرائيلية عام 1989 بعد أن أمضى فيها 22 عاماً، ساهم في عمليّة التثقيف التنظيمي والسياسي، وكان له دور بارز في تحويل السجون إلى أكاديميّات وطنيّة، عبر إقامة دورات أكاديميّة، وتدريس الأسرى اللّغة الإنجليزيّة، والمتابعة مع لجنة دراسة المُعتقلين في جامعة بيرزيت، أملًا في السماح له وللأسرى التقدّم بطلب للدراسة في الجامعة.

تختتم "الإضاءة الشهرية" بخطاب رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو عام 2011، بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، أشار فيه إلى البدء بزيادة التضييق ومنع تعليم الأسرى الرسمي في السجون. وبناء عليه، أوقفت إدارة السجون برنامج تقديم امتحان الثانويّة العامّة وبرنامج الدراسة في "الجامعة الإسرائيليّة المفتوحة"، ورغم ذلك تواصلت جهود الأسرى والأسيرات في تسخير الطرق المتاحة جميعها لإكمال تعليمهم، ومنهم الأسير زكريا الزبيدي، الذي أنهى كتابة رسالته الماجستير وهو في الأسر، ونوقشت غيابيًّا في "جامعة بيرزيت" عام 2022.
 

المساهمون