ضمن سلسلة ندوات "سقط القناع عن القناع" التي تُنظِّمها "مكتبة تكوين" في الكويت العاصمة، قدّم الباحث عبد الله العنجري، مؤخّراً، مُحاضَرة تحت عنوان "تاريخ التطهير العِرقي في فلسطين"، مُنطلقاً من عرض تاريخي لواقع أوروبا في القرن التاسع عشر الذي صنع جوّاً من "مُعاداة الساميّة"، وهي في جوهرها مسألة غربية صِرفة، ولم يتمّ "حلّها" إلّا عبر قَناة الاستعمار الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية، و"المؤتمر الصهيوني الأول" (1897).
ولفت العنجري إلى أن الحركة الصهيونية سوّقت لشعار مُخادع: "أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض"، و"لكنّ مؤسّسي الحركة كانوا على عِلم بأنّ الشعب الفلسطيني لن يترُك أرضه، وعندها بدأت المُناقشات الأولى لخُطط التهجير والتطهير العِرقي. ومع دخول فترة الحرب العالمية الأُولى، وانسحاب الدولة العثمانية، ساهم وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني في الدَّفع باتجاه الغايات الصهيونية من خلال 'وعد بلفور' وسياسات الحكومة البريطانية اللّاحقة".
ثورة 1936 كانت في المقام الأول ضدّ الهجرة الاستعمارية إلى فلسطين
وعرَض المُحاضِر لاسترتيجيات الحركة الصهيونية في محطّات تاريخية مختلفة، هدفت إلى تعزيز سيطرتها على أرض فلسطين، وحَشْدِ اليهود من حول العالَم للهجرة واستعمار فلسطين، بتمويل من "الصندوق القومي اليهودي".
وتابع الباحث: "بالوصول إلى عام 1936، اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى، التي نادت بوقف هجرة المستوطنين، إلى جانب إنشاء حكومة ديمقراطية تحكمُها الأغلبية العربية، وقد كلّف قمْعُ هذه الثورة من قبل البريطانيّين أكثر من مئة ألف جندي، وضعوا حدّاً لها بشكل دموي، إذ تشير الأرقام إلى أنّ 10 بالمئة من الذكور في فلسطين إمّا قُتلوا أو تعرّضوا للتعذيب أو طردهم".
ووضّح العنجري أنّه "في فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، رمت بريطانيا القضيّة في أحضان الأمم المتّحدة، التي كانت تتعامل للمرّة الأُولى مع قضيّة في المنطقة العربية، وعليه أصدرت 'قرار التقسيم' في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، والذي لا يُمكن عزله عن مبرّرات غربية بالتكفير عن 'الهولوكوست'".
ثم انتقل إلى عرض مجريات الأحداث في ظلّ الحرب الباردة: "حيث قدّمت الحركة الصهيونية نفسها كحليفة للكتلتين الشرقية والغربية، وبُعيد إعلان قرار التقسيم جرى تهجير 300 ألف فلسطيني من أراضيهم. هذه الفترة التي يمكن تسميتها الجزء الأول من النكبة، التي ارتكبت فيها مجازر عديدة أبرزها "دير ياسين"، وجرى استهداف سكان عكّا ويافا وحيفا وطبريا وصفد وبيسان والقدس. وفي الجزء الثاني الذي بدأ في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، جرى تهجير 450 ألف فلسطيني من أرضهم، ولم يتبقّ سوى 22 بالمئة من مساحة البلاد تحت سيطرة الفلسطينيين".
وبعد 19 عاماً على هذا التاريخ، ستشنُّ "إسرائيل" حرباً توسُّعية وأكثر وحشيّة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، شملت الشعب الفلسطيني والمحيط العربي أيضاً، وهنا أصدرت "الأمم المتّحدة" قرارها رقم 242 الذي لم يضع حلّاً لمسألة عودة اللاجئين، كما كانت فيه ثغرة لغوية كارثية، فبدل أن ينصّ على انسحاب "إسرائيل" من الأراضي المحتلّة، جاء فيه "يجب على إسرائيل الانسحاب من أراض محتلّة"، فاقتصر على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد، وظلّت تحتل الضفّة الغربية والجولان، واستمرّت بالاستيطان فوقهما.
وختم الباحث بالإشارة إلى موقف المُؤرِّخ إيلان بابيه، الذي عرّى في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" السردية الصهيونية، وأثبت الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحقّ الشعب الفلسطيني.