الآخَر بوصفه سؤالاً

23 اغسطس 2022
حسن موسى/ السودان
+ الخط -

يوجِعنا ما لا نتذكّر، ويوجِعنا ما لا نقول، ويوجعنا - ربّما أكثر - ما لا نكون. يوجِعنا ذاك الصوت الذي لا ينفكّ يُنادينا من داخلٍ باسمنا الشخصي دون تلعثُمٍ؛ رغم أننا لا نعرف عنه شيئاً. يوجعنا ويدفعنا إلى تتبّع أثرِه فينا وفي العالم لكي نصبح ذاتاً. 

ذلك الصوت اللانهائي الذي نجهل مصدره لكنّنا نشقى كي نتبيّن نبرته، ونستشفّ مقصده.

هو صوت الآخر الذي لا يكفّ عن أن يكون سؤالاً. سؤال عنيد ترتطم الكينونة به في أكثر من منحدَرٍ ومرتفَع. هو السؤال اللاكاني المؤسِّس والمؤرِّق كلّ ذاتٍ إنسانيّة: ماذا يريدُ الآخر منّي؟

الآخر بأوجهه المتبدّلة: الأم والأب والعائلة والمعلّمون والمجتمع والله. وكلّ الذين نحبّهم ونخافهم. هو سؤال اللاوعي الذي نحن كلامه واحتدامه: ماذا يريد الآخر منّي أن أريد؟ ماذا تريد الحياة منّي أن أريد؟

تبزغ كلّ إراداتنا وكلّ سعاداتنا وكلّ عذاباتنا ممّا نتخيّل عمّا يريده الآخر، بأسمائه المختلفة، منّا. الآخر الذي تتورّط ذاتنا وحياتنا ورغباتنا في اشتباكٍ خفيٍّ لا يُحسم أبداً معه. هكذا نتعلّم كيف نكون ناقصين وعطشى ومشتاقين لكي لا نكتمل ونرتوي ونموت. كما في النشيد الخالد للتونسيّ الجميل: "ومن لم يعانقْه شوقُ الحياة/ تبخّر في جوِّها واندثَر".

كأمٍّ وحيدة منذورةٍ للحبّ والخوف، تحملُ الحياةً شوقَنا الجنين إليها وَهناً على وهنٍ، وتبتهج برؤيته يمشي على قدميه نحو الباب، الذي لا شيء خلفه سواها. وتعرف أنها لن تمسك به مهما انقطعت أنفاسُها، وهي تحاول أن تقطع المسافة إليه، سيسبقها دوماً إلى ما لا نعرف، إلى آخَرها، إلى آخِرِها. 


* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين

موقف
التحديثات الحية
المساهمون