اسمي الأوّل

26 مارس 2021
مقطع من "تكوين من تنافرات" لـ ثيو فان دويسبرغ (1919)
+ الخط -

الليل يمرّ، والمرء يُعقّب: الحياة معقولة. واسمي هو اسمي المعهود، في بعض الأحيان، بينما أحمل أسماء أخرى، إذا اختلف السياق تاريخياً واجتماعياً واقتصاديا. مرّةً، رافقني اسمان غريبان عدوّان لمدة عشر سنوات أو ثلاث عشرة. آ والله. خاصّة عندما عملت، من أوّل الثمانينيات إلى أوّل التسعينيات، كحلواني معلّم. ومرّة، في برشلونة، رافقني اسم بديل: أنطوني.

أحن، الآن، إلى اسمَيّ ذينك، ولا أحنّ إليهما إلّا لأنّهما رافقاني في وضعٍ حرج صمدت فيه، وفي ميعة الشباب: دوف و... (الاسم الثاني لا يحضرني الآن، ولكنّه على طرف اللسان). ولقد لعبت بهما مباريات جيدة جداً، تماماً كما لو كنت غير مرئي. أمّا الاسم الأخير، فرافقني سبع سنوات متواصلة، في ظروف أسوأ وأحسن من ظروف الاسمين السابقين (كيف؟ هذه مفارقات الحياة يا عمّ!)، ولا أزال أحنّ إليه باستفاضة.

إلى هذا، ليس من غير المألوف أن يقول رجلٌ شيخ (61 سنة)، وغير متحفّظ مثلي: لو كنت لاعباً، أودّ أن أبدو غيرَ لاعبٍ. ولعلّ هذه هي الدراما التي سترافقني دائماً، في غير أرض من أراضي الأطلس، شديدة الارتفاع والانحدار. ولئن عشت، للاحظت، بكَرِّ الأعوام، التالي: في الآونة الأخيرة، لا يوجد اسم لا ينتهي به الأمر إلى أن يكون بديلاً عن اسم آخر. كما لو كان أحدَ أعراض تراجع هذه الصحة، وهذا العالم.

عموماً، اسمي الأول، كما لغتي الأولى، هما آخر معقل لي في دروب الأشجان. هما طريقة اللعب، ويجب تغييرها فقط بالاضطرار. أمّا التنازل النهائي عنهما، كليهما: الاسم واللغة، أمام ظروف مفترضة، فغير وارد.

بماذا أصرخ من قحف الرأس، ومن باطن القدم، حين يخيم ظلام فادح وقادح، حتى لا منجىً ولا ملجأ، إن لم أصرخ بهما؟ كل صرخة شعبية في مقام كهذا، لا بدّ أن تخرج باسمي الأول ولغتي الأولى، وإن كان المحيط لا يفهم. وأبداً لن يكون من السهل عليّ التفاوض على نهايتي بأسماء أجنبية. فكلّما نطقت بهما، خاصّة على أسرّة المستشفيات الغريبة، شعرت براحة العودة للأصول. هما إذن رمزاي، ولن يكون الأمر سهلاً على رمزين قديمين أن يتلاشيا في بخار برج بابل.

* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون