ابن خلدون.. رسائل على رُخام صاحب "المقدّمة"

09 مارس 2021
تمثال ابن خلدون بعد مظاهرة السبت
+ الخط -

عاش تمثال ابن خلدون في تونس، يوم السبت الماضي، مشهد "اعتداء" جديد حين أقدم متظاهرون، يطالبون بإطلاق سراح عدد من الموقوفين، على كتابة شعارات احتجاجية فوق لوحة قاعدته، إضافة إلى تعليق لافتة حول رقبة التمثال. كان ذلك سبباً في استنكار واسع سيّما وأنه لم تمرّ سوى أسابيع قليلة على ظهور خطأ إملائيّ كارثيّ على قاعدة التمثال بعد إعادة تهيئته من قِبل بلدية العاصمة.

ومن المصادفات ذات الدلالة أن الكتابات الاحتجاجية على التمثال أتت بعد انتهاء البلدية من أشغال تصحيح الخطأ السابق، وهو ما فرض إعادة العمل على تهيئته. وقد اعتبرت الكاتبة العامة لبلدية تونس، حفيظة مديمغ بلخير، في تصريحات لوسائل إعلام محلية بأنّ ما جرى يمثّل "اعتداءً على الملك العام من خلال استخدام الطلاء وكتابة بعض الشعارات"، مشيرة إلى أن ذلك "غير مقبول، بعدما أنفقت البلدية حوالي 140 ألف دينار لإعادة تهيئه الساحة وفتحها من جديد أمام المواطنين منذ يومين، لتكون على ذمة المتنزّهين والسياح وبما يزيد من جمالية المكان".

اعتمادُ تمثال ابن خلدون بالذات للاحتجاج يمثّل رسالة مضادة للثقافة الرسمية، فلا يخفى الموقع الرمزي الذي يتخذه المفكّر في الخطاب الرسمي في تونس كأحد العناوين الفكرية الجامعة. كما أن الكتابات الاحتجاجية أخفت معالم اللوحة المكتوبة على القاعدة وفيها إشارة إلى أن التمثال قد أُنجز برعاية الرئيس السابق الحبيب بورقيبة.

اعتمادُ التمثال للاحتجاجات يمثّل رسالة مضادة للثقافة الرسمية

على صفحته في فيسبوك، كتب أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية، محمد محجوب: "كنتُ سأصفّق لشباب تونس لو أنهم التفّوا حول تمثال ابن خلدون التفاف الأنصار حول زعيمهم في رسالة واضحة للمعرفة موجّهة إلى السياسيين. كنت سأصفق لهم لو أنهم أعلنوا أنهم أبناء ابن خلدون وأحفادُه. ولكنهم لم يفعلوا وعمدوا إلى تشويه التمثال".

من جهته، كتب محمد صالح العمري، الباحث التونسي في جامعة "أوكسفورد": "هل تحرّر ابن خلدون اليوم من الوثن الجديد؟" مشيراً إلى أسطُرٍ شعرية وردت في قصيدة "نشيد الأيام الستة" للشاعر التونسي الراحل الصغير أولاد أحمد قال فيها: "يا ابنَ خلدونَ المدينةُ أضيق من خطاك/ ولكم مررتُ ببرنسك الحديد، فساءني زمني/ فاخرج من الوثن الجديد/ واكتب إلى الوثن المقابل ما يليق بحجمه/ قل ما تريد: هذا حصانك واقف والكفّ من زمن ترحّب بالغريب/ قل ما تريد/ فلنا المدى وله الصديد".

هناك إشارة في هذه الأبيات إلى تمثال بورقيبة المواجه لتمثال ابن خلدون. يلتقط العمري هذه الأبيات فيتساءل إن تحقّقت دعوة أولاد أحمد "لابن خلدون إلى التحرّر من ربقة السلطة التي صنّمته وامتلكته"، فكأن كتابات المحتجيّن أنجزت ذلك. ويلاحظ الباحث التونسي أن "الشباب المتمرّد لم يمسوا ابن خلدون بشيء، بل حمّلوه رسائلهم لعتْق المسجونين والبلاد. وكتبوا شعاراتهم على قاعدة التمثال وفوق رمز التملك الرسمي لابن خلدون، أي لوحة التدشين".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون