إيمانويله كوتشيا.. البيت من وجهة نظر فلسفية

29 أكتوبر 2021
إيمانويله كوتشيا خلال "اللقاءات الفلسفية" في موناكو، 2017 (Getty)
+ الخط -

ليست موضوعات السكن والإقامة والمبيت من المواضيع التقليدية في الفلسفة، إذ كان علينا أن ننتظر حتى القرن العشرين لنرى ما يمكن للبيت أن يعنيه ضمن قراءة فلسفية، وهي قراءةٌ كان الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر من أوّل مَن تصدّوا لها في أحد أقسام كتابه "الكينونة والزمان"، قبل أن يتبعه في ذلك تلميذه الفيلسوف الليتواني ـ الفرنسي إيمانويل ليفيناس، في كتابه "الكُلّية واللاتناهي".

منذ ذلك الحين، تحوَّل سؤالٌ مثل سؤال البيت، ومعناه للفرد أو الذات التي تعيش فيه، أو لدى الجماعة، إلى سؤال يظهر تارة ويغيب أُخرى في المتون الفلسفية، ولا سيما الأخلاقية منها. وقد جاءت جائحة كورونا، والإجراءات الصحّية التي اضطرّت أغلب سكّان المعمورة إلى البقاء في بيوتهم فترات طويلة، لتسلّط الضوء أكثر على أهمّية هذا الحيّز الذي يقضي فيه المرء الجزء الأكبر من عمره ربّما.

"فلسفة البيت" هو عنوان آخر كُتُب المفكّر الإيطالي الشاب، المقيم في فرنسا، إيمانويله كوتشيا، وقد صدر حديثاً لدى منشورات "بايّو وريفاج" في باريس، بترجمة ليو تيكسييه، وهو عملٌ ينضمّ إلى قائمة المنشورات الحديثة التي تُحاول فهم الأبعاد الفلسفية والوجودية لعلاقة الإنسان بالفضاء الحميمي ـ المنزليّ، ولا سيّما في هذه الفترة المطبوعة بتوتّر بين الفضاءين الداخلي والخارجي بسبب الجائحة.

غلاف

ينطلق كوتشيا من تجربة شخصية تتمثّل في اضطراره لتغيير مكان سكنه، بحُكم عمله والظروف الاقتصادية وشروط سوق العقارات، ما يقارب ثلاثين مرّة، ويقدّم تحليلات حول النحو الذي نتملّك من خلاله أماكنَ سكنها أشخاصٌ غيرنا قبلنا، والطريقة التي نحوّل فيها أسطح الجدران والأرض، والمساحة الخاصة بشكل عام، إلى ما يشبه المرآة التي تعكس شخصياتنا وأهواءنا وهويّاتنا.

يشير صاحب "تحوّلات" (2020) إلى أنّ الفلسفة لطالما فضّلت التفكير بالفضاء العام، بالمدن الفاضلة وغير الفاضلة، على حساب المنزل، بل إنها فكّرت بصالات السينما، والمقاهي، والمطاعم، والمتاحف، والشوارع، والحدائق، وبكلّ شيء خارجيّ تقريباً، من دون أن تولي اهتماماً لتلك التجربة الحميمية والخاصّة.

ولسدّ هذا النقص، فإنه يقدّم فصولاً تتناول ثيمات متعدّدة، يُحاول من خلالها وصف السعادة التي تمنحها هذه التجربة الحميمة، مدافعاً عن أطروحة جديدة تتمثّل بالقول إن البيت يمثّل، بالنسبة إلى ساكنه، مساحةً يستضيف فيها العالَم، أو حصّته من العالَم، الذي يحضر إمّا عبر الأغراض التي يضمّها المنزل وتعكس نظرة ساكنه إلى هذا العالم، أو عبر الزوّار والنحو الذي يجري من خلاله استضافتهم.

بهذا المعنى، يتحوّل المنزل، في فكر مدرّس الفلسفة الإيطالي، إلى صورة مصغّرة عن الأرض، فهو، مثلها، فضاءٌ يغلّفنا ويحدّد مجال إمكانياتنا، كما يشكّل حاملاً أساسياً لعلاقتنا بالمحسوس والأفكار وبالآخرين، ما يجعل من كتابه عملاً يطرح، في الوقت نفسه، أسئلةً تراوح بين الأخلاق والعمارة والفلسفة الوجودية، إضافة إلى الفلسفة البيئية.

المساهمون