إلسورث كيلي.. المعجم الصافي للتجريد

29 ديسمبر 2024
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُبرز معرض "إلسورث كيلي: قرنٌ من الإبداع" في الدوحة حوالي 70 عملاً فنياً توثق مراحل تطور مسيرته الفنية، وتأثره بفترة إقامته في باريس، حيث انتقل من التصويري إلى التجريدي متأثراً بماتيس وبرانكوسي وآرب.
- تميزت أعمال كيلي بتجريدها الهندسي واستخدامها للألوان المشبعة، مستكشفة العلاقة بين الشكل واللون والخط والفضاء، مع أعمال بارزة مثل "الرسم من أجل جدار أبيض" و"المنحنى الأصفر".
- يُعتبر المعرض من أكثر المعارض الاستعادية شمولاً لأعمال كيلي، ويضم قطعاً من مؤسسات عالمية، ويُظهر كيف أصبح كيلي فناناً متميزاً في الفن التجريدي بعد عودته من باريس.

على مساحة واسعة متعرّجة الردهات، تستوقفنا نبتات أو حبّات فاكهة رسمها الفنّان الأميركي إلسورث كيلي (1923 - 2015). هذه خطوط بسيطة بقلم الرصاص وألوان مائية. تستوقفنا صور فوتوغرافية مقتطعة من باريس، لكنّها لا تدلّ على المدينة التي تُصوّرها كاميرا كيلي ولا تريد ذلك أصلاً.

الوقت المستقطع يبدو مفيداً للإلمام بكلّ رحلة كيلي، الفنّان صاحب الطابع الذي لا تخطئه العين في الشكل بالغ التجريد الهندسي، واللون المشبع الواضح، واللوحة ذات الحجم، المقسّمة إلى قطعتين أو ثلاث. وعليه تصبح حبّة فاكهة طفولية، وصورة كاميرا فرحة باصطياد الشكل المعزول عن سياقه، عتبة تؤدّي إلى كلّ هذا التجريد أو تخرج منه.

بين أميركا التي وُلد فيها عام 1923 وانتقاله إلى باريس عام 1948، ثمّ عودته إلى مدينته المفضّلة نيويورك، ثمّ مغادرة هذه المدينة المزدحمة عام 1970 إلى ضاحية أهدأ وأرحب، تتّسع لأعماله واسعة الأبعاد وكبيرة الحجم. في هذا الترحال، ثمّة سبعة عقود أسهمت إسهامةً كبيرة في تحديد تاريخ الفنّ التجريدي في القرن العشرين. لا تجريد في هذا القرن يستثني ما طرحه كيلي بمثابرة ووحدانية.

تستكشف أعمالُه العلاقة بين الشكل واللون والخطّ والفضاء

هنا في معرض "إلسورث كيلي: قرنٌ من الإبداع" الاستعادي، الذي تُقيمه "متاحف قطر" في "M7: مركز قطر للابتكار وريادة الأعمال في التصميم والأزياء والتكنولوجيا" بالدوحة حتى 25 شباط/ فبراير المقبل، حوالي 70 عملاً فنّياً، تحتفل بمئوية ميلاده.

والمعرض بهذه الكيفية سيرة وثائقية لمراحل تطوَّر فيها مسار إلسورث كيلي الفنّي، بدءاً من أُولى خطواته، مروراً بالمرحلة الباريسية حيث تشبّع بها، ولم يئن الأوان لكي تظهر أعماله ذات المعجم البصري الخاصّ، أو للدقّة كي يقطع طريقه أطول وأبعد، حتى عودته إلى بلاده شاحناً كلّ أعماله التي لم يبع منها سوى واحد خلال سنواتٍ ستّ قضاها في فرنسا.

بيد أنّ الفترة التي قضاها في باريس دفعته ليُغيّر تماماً مفهومه وتصوّره عن الرسم، فسرعان ما تخلّى عن الرسم التصويري الذي اتّبعه في سنوات تكوينه، لتفضيله أسلوب الملاحظة الدقيقة لكلّ ما يحيط به.

معرض إلسورث كلي
من المعرض (العربي الجديد)

كان ينغمس في ملاحقة الظلال وحركة الشمس وانعكاسها على الأدراج أو من خلال نوافذ القطار، أو انعكاس ضوء القمر على نهر السين، فيكتفي من الانعكاس باللحظة التي تشعر بها البصيرة، فتظهر كأنّها لوحة "بكسلز".

ويأتي هذا التحوّل الجذري نتيجة لانغماسه في الأشكال الملوّنة والمرنة للوحات هنري ماتيس، وخطوط منحوتات كونستانتين برانكوسي، وتبنّي جان آرب الصدفة أداةً تشكيلية.

والسيرة في المجمل، مثل أيّ سيرة تجتهد لعمل محصّلة من المؤثّرات والمرجعيات والحياة الاجتماعية التي واكبت هذا التحوّل الفنّي، وفيما يبدو أنّ لا بد من ذلك، باعتبار الفنّان حاصل جمع العناصر الضوئية والإشعاعات الإيجابية والسلبية، والروائح، والمناخات، ومنسوب حرّية التنفّس.

دفعته الفترة التي قضاها في باريس إلى تغيير تصوّره عن الرسم

لذلك عُرف كيلي أكثر بعد عودته من باريس، وكان بعيداً على نحو ما عن الموجات الفّنية الراهنة في بلاده، مع العلم أنّهم جميعاً كانوا في عالم أصغر وأسهل في تواصله، بما يؤكّد القول إنّ كلّ واحد يتشرّب ما حوله، ثمّ تكون له فصيلة دمه هو.

تبرز أعمال كيلي الفنّية التي نراها في المعرض، اللوحات والنحت والرسم والكولاج والتصوير الفوتوغرافي، متضمّنة استكشاف الفنّان طَوال حياته العلاقةَ بين الشكل، واللون، والخط، والفضاء.

ومن بين أبرز الأعمال التأسيسية المبكّرة التي نعاينها "الرسم من أجل جدار أبيض" (1952) و"الرسم بثلاث لوحات" (1956) حيث يختصر كيلي الرسم إلى أبسط أشكاله ويتفاعل مع الهندسة المعمارية المحيطة. كما يتضمّن المعرض "المنحنى الأصفر" (1990)، أوّل لوحة له على الأرض، إذ قرّر الفنّان في الثلث الأخير من عمره إشراك الجدار والأرضية في تركيباته الفنّية، والتي تُجسّد انشغال الفنّان بطمس التمييز بين الرسم والنحت والتركيب.

معرض إلسورث كلي
من المعرض (العربي الجديد)

منذ أواخر الخمسينيات، اكتست المرحلة تلك أهميتها، لأنّها كشفت عن هوية فنّان مختلف عن رصفائه من الفنّانين الأميركيّين، وقد لجأ إلى المجسّمات وتعليق الحجم على الجدار والتفكير بحجوم أكبر ومساحات أوسع، وعرف أنّ اللون لن يكون سوى الواضح الذي يعيد الإنسان إلى بدئه وهو يتعلّم الأسماء لأوّل مرّة.

كما يضم المعرض أعمالاً من سلسلة تشاتام الرائدة (1971)، وهي سُمّيت على اسم تشاتام في مقاطعة كولومبيا بنيويورك، حيث عاش كيلي فترة من الوقت، وتعكس سلسلة الأعمال هذه علاقته بالبيئة المحيطة، واستكشافه المستمرّ للألوان، والشكل، والإدراك.

وإلى جانب الأعمال الفنّية المعارة من مجموعة "متحف غلينستون" (المتحف الذي أقام أوّل معرض له عام 2023)، يضمّ المعرض أيضاً قطعاً فنّيةً أُخرى من مؤسّسات عالمية عديدة، ما جعل هذا التنوّع واحداً من أكثر المعارض الاستعادية شمولاً لأعمال كيلي في السنوات الأخيرة.

المساهمون