"أُفق وحَدّ".. الطبيعة في رؤى ثمانية وعشرين فنّاناً معاصراً

09 سبتمبر 2024
"مسارات الصحراء" للفنان البرشلوني كزافييه ريباس (من المعرض)
+ الخط -

في الثقافة الأوروبية، بدأ تقدير المناظر الطبيعية باعتبارها نوعاً تصويرياً منذ القرن السابع عشر فصاعداً. وقد وصل هذا الفنّ إلى أقصى تعبير عنه في القرن التاسع عشر، بدءاً من الرومانسية ووصولاً إلى الانطباعية. وفي العصر الراهن، عادت المناظر الطبيعية إلى الواجهة بسبب إمكانات الخيال التي تسمح بها التكنولوجيا الرقمية، فضلاً عن القلق الناجم عن تدهور الطبيعة والتهديد البيئي لتغيّر المناخ.

وإذا سمحت لنا المناظر الطبيعية سابقاً بالحلم، وبتخيّل مكان يُمكن أن يكون الجنة على الأرض، فضلاً عن الأماكن المجهولة أو النائية، فإنّها اليوم تكتسب، مرّة أُخرى، أهمية في الفن من خلال تهجين الصور وإمكانية إنشاء روايات جديدة.

يتعمّق معرض "أُفق وحَدٌّ"، المقام حالياً في معرض "كايشا فورم" بمدريد، ويتواصل حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، في الطريقة التي نتعامل بها مع المناظر الطبيعية كتمثيل مباشر لها. ففي نهاية المطاف، هذه المناظر الطبيعية ليست إلا مجرد اختراع فني حدّد إدراك البشر للطبيعة، كما حدّد القدرة على العاطفة في مواجهة الظواهر الطبيعية. 

استعادة لمفهوم الطبيعة في زمن التغيرات المناخية والبيئية

يجمع المعرض ثلاثة وأربعين عملاً فنياً لثمانية وعشرين فنّاناً معاصراً من جنسيات مختلفة، ويقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية من حيث الموضوع، هي: خيال المناظر الطبيعية، تجربة المناظر الطبيعية، وتأثير الإنسان على الطبيعة. هذه المحاور الثلاثة تتلاقى في فكرة تحليل المناظر الطبيعية من منظور الفنّ المعاصر، مع إيلاء اهتمام خاص للّغات الجديدة: التقنيات الرقمية التي تسمح بإنشاء صور وهمية وكاميرات وإجراءات تسجيل مستقلّة، ودور التصوير الفوتوغرافي وسيلةً لإصلاح الواقع وإعادة إنشائه وتعديله.

من المعرض - القسم الثقافي
تنوّع في الصور والأفكار حول المناظر الطبيعية (من المعرض)

في القسم الأول من المعرض، يبرز تنوّع الصور والأفكار حول المناظر الطبيعية التي يستخدمها الفنانون لإنشاء أعمالهم، وغالباً ما يجمعون بين الرؤية الرومانسية والصور العلمية والترفيه الرقمي. هذا التنوّع من شأنه أن يُظهر مدى تعقيد العلاقة التي يقيمها الإنسان مع البيئة الطبيعية، التي تجمع بين التمثيل والخيال، الواقع والوهم. تبرز في هذا القسم أعمال الفنانة البريطانية تاسينا ديان (1965)، وأعمال الفنان الألماني يوليوس فون بسمارك (1983)، الذي يمزج الحدود بين النقش والتصوير الفوتوغرافي في محاولة لخلق خدعة بصرية، كما هو الحال في عمله "رسم منظر طبيعي"، فضلاً عن أعمال كل من الألماني ميشيل نجار (1966) والإسباني ألبرت ميرينو (1979).

في القسم الثاني من المعرض، تبرز رغبة الفنانين باختبار الطبيعة، حيث تحاول الفنانة الإيطالية أندريا جالفاني (1973) إضفاء الخلود على لحظة غروب الشمس، مصوّرة الشمس المُعلَّقة فوق البحر بكاميرا مثبّتة على طائرة أسرع من الصوت، أمّا الفنان الكتلاني أوريول فيلانوفا (1980)، فيجمع ما يقرب من ألف منظر للشمس وهي تتحوّل عاكسة ضوءها إلى مناظر طبيعية خلّابة باللون الأحمر. زميلته الفنانة البرشلونية باتريشيا داودر (1973) تأخذ من الانفجارات البركانية نقطة الانطلاق لتصوّر تأثيرها على المناظر الطبيعية وعلى حياة السكان. في هذا القسم، نلاحظ أيضاً دخول عنصر الصوت، من خلال تسجيل صوتي يضعه الفنان السويسرى ماركوس مايدير (1971) في الصالة، حيث يمكن سماع صوت الطبيعة التي يتردد صداها في صوت آلة التشيلو أمام وادٍ جبلي. 

معرض 3 - القسم الثقافي
تغلب المسحة الاقتصادية والاجتماعية على القسم الثالث (من المعرض)

في القسم الأخير من المعرض، تغلب المسحة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على المناظر الطبيعية، كما هو الحال في "مسارات الصحراء" للفنان البرشلوني كزافييه ريباس (1976)؛ وهو عبارة عن سلسلة من ثلاثة وثلاثين صورة فوتوغرافية لصحراء أتاكاما في تشيلي. كذلك تحضر الحروب وتأثيرها على الطبيعية، كما هو الحال في عمل "فعل" للفنانة الفرنسية صوفي ريستيلهوبر (1949)، وهو عبارة عن سلسلة من الصور مؤلّفة من واحد وسبعين صورة التُقطت في الكويت بعد انتهاء حرب الخليج.

من الفنانين المشاركين أيضاً في المعرض، نذكر: الإسبانيان ميكيل بارسيلو وجوان فونتكروبا، والألمانيان أندرياس غورسكي وآن إيمهوف، إضافة إلى فنانين من إيطاليا، وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها من البلدان.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون