أين نعيش؟

07 أكتوبر 2024
آثار قصف إسرائيلي للضاحية الجنوبية لبيروت، تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياساته التوسعية والعنصرية في فلسطين، مما يثير تساؤلات حول موقف المؤسسات الأكاديمية الغربية من هذه السياسات.
- النقاشات العربية والسورية تعكس تأثير الحرب السورية والعقوبات الدولية، مع ظهور خطاب سوري جديد يعبر عن ثقافة إقصائية.
- النضال من أجل الحرية يبقى أرضية مشتركة، لكن السوريين يواجهون تحديات في تحديد موقفهم من الاحتلال الإسرائيلي في ظل تعقيدات الحرب السورية.

مضى عامٌ على القتل، يطويه الاحتلال بتوسيع حرب الإبادة ضدّ فلسطين والمنطقة العربية. وانقضاء عامٍ بحاله من غير أن تخفت حدّة القتل، على الرغم من الاحتجاجات التي شهدها العالم أجمع، وبالإشارة إلى أنّها حربٌ غير متكافئة، بل هي بوضوح حرب إبادة... انقضاء عام بهذه الصورة يدفع المرء إلى التفكير في العالم الذي نعيش فيه. أقصد تجربة كل البشر بوجود قاتل منفلت فرَض حتى داخل المؤسّسة الأكاديمية الغربية نوعاً من الحظر. فـ"إسرائيل" اليوم فوق النقد. والصهيوني، فردٌ أعلى من الآدمي، حتى لو كان الآدمي أبيض البشرة.

مع ذلك، وبتوسيع الحرب تكشَّفت هذا العام تصوّرات مشوّهة تحيط بكيان الاحتلال. وهي تشوهات يجب الاعتراف بأنّها لصيقة بانهيارات "الربيع العربي"، وتدفع إلى التساؤل إن كان بعض جمهور "الربيع العربي" يقبل أن ترتبط مسألة العداء لـ"إسرائيل" بالنضال لأجل الحرية؟ وهل بالإمكان أن يتواضع المرء في النقاش مع هذا التيار أكثر من ذلك؟

يتّفق المختصّون - من أمثال المؤرّخ إيلان بابيه - على اعتبار أنّ "إسرائيل" وجودٌ استعماري بالتعريف، أي إنّها قضية ورثها العرب من قرن خلا، وقد تراكبت معها طوال هذه العقود تعقيداتٌ لا سبيل إلى حصرها، مثل سياسات التوسُّع والاستيطان والفصل العنصري، وغيرها الكثير من ابتكارات العقل العنصري الصهيوني. مع ذلك، وبمضيّ عام قَصفت فيه "إسرائيل" مشافي الأطفال، وطواقم المساعدات، والمسعفين. قصفت، حرفياً، كلّ شيء. يتأمّل المرء غير مصدّق الحال الذي صارت عليها النقاشات في الفضاء العربي العام، وفي الفضاء السوري على نحو خاصّ، وهو ما نشير إليه هنا.

ينبغي أن يتجاوز النضال لأجل الحرية أيّة خلافات سياسية

بلا شك فإنّ حرباً طويلة، وأزمة مفتوحة زمنياً ومغلقة الآفاق سياسياً، كما في الحالة السورية، تدفع إلى ظهور ثقافة جديدة. للأسف، نراها ثقافة إقصائية على نحو لا يُعقل. الثقافة السورية المقصودة التي ظهرت وباتت تُعبّر عن نفسها، ثقافةٌ مستغربة، وغير مفهومة لدى العرب، إنّها ثقافة متغرّبة عمّا يجاورها. مع ذلك، ما يقرؤه العرب على صفحات عدد من السوريّين يجب أن يُقرأ في سياقهم السوري، لا في سياق الصراع العربي أو الفلسطيني/ الإسرائيلي؛ إذ لا يمكن فهم الثقافة السورية الجديدة المقصودة خارج فكرة التخلّي التي عرفها هذا البلد، وقد تُرِكَ لقدَره في استنقاعٍ سياسي دولي، وفي ظلّ عقوبات لم تقهر سوى السوريّين العاديين الذين كان عيشهم طوال سنوات الحرب، عيشاً يقترب من المستحيل، عدا عن فقدانهم بلدهم، ولجوئهم في أصقاع الأرض.

اليوم، يخطئ من يقرأ الخطاب السوري - وهو خطاب جزءٍ من السوريّين ليس بوسعي تقدير نسبتهم - إلّا أنّه خطاب يكاد أصحابه يقولون صراحةً إنّهم مع "إسرائيل" ضدّ أنفسهم (على اعتبار أنّهم أصحاب الأرض أيضاً). ومن يقرأ هذا الخطاب - الذي يعادي مقاومة الاحتلال وتحديداً حزب الله - يُخطئ إن قرأه في السياق الفلسطيني، لأنّ ما صنعه هو سياق الحرب الأهلية السورية، أو الحرب السورية، أو الثورة السورية، أو الأزمة السورية أو المؤامرة على سورية، أو.. إلى ما شاء الله من تسميات. فالنتيجة واحدة. لقد اختلطت المفاهيم وتعقدت المقولات، ولم يعد أحدٌ من السوريّين يسمع أحداً آخر.

مع ذلك، أخالُ أنّ النضال لأجل الحرية يبقى أرضية مؤكّدة تتجاوز الخلافات السياسية، وتأتي من صلب أحاديث "الربيع العربي". أقول أحاديث، لأنّ ما انتهى إليه الحال، يكاد يجعل من تلك السنوات أشبه بالذكرى الضبابية. المؤكَّد اليوم، أنّ "إسرائيل" فرضت على الإنسانية كلّها؛ قانون القتل، والإبادة الجماعية، والتصفية. وهناك سوريون ما زالوا يتساءلون عن موقفهم من "إسرائيل"... لكن، هل بوسع مَن يَهتف للحرية أن يكون مع "إسرائيل" بالمبدأ، أو حتى أن يكون محايداً إزاء إجرامها؟


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون