في عام 1928، اشترى أنتوني كيرستينغ كاميرا من طراز "بوكس براوني" التقط بها صوراً لمبانٍ تاريخية من تصميم المعماري كريستوفر رن (1632 – 1723) وهو في سن الثانية عشرة، بعد أن تلقّى دروسه الأولى في التصوير على يد والده، لينشر عبر الصحف سلسلة أعمال حول الحياة الحضرية ووسائل النقل في أوروبا.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تحوّل مسار الفوتوغرافي البريطاني (1916 – 2008) المِهنيّ، بعد تطوّعه في جيش بلاده، حيث أُرسل ضمن قوات سلاح الجوّ الملكي إلى مصر، وهناك سيبدأ مشروعه بتصوير الحياة اليومية في الأردن والعراق وسورية بالإضافة إلى إيران.
"كردستان في الأربعينيات" عنوان معرضه الاستعادي الذي افتُتح نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في "غاليري كورتولد" بلندن والذي يتواصل حتى الثلاثين من أيار/ مايو المقبل، ضمن مشروع لرقمنة حوالي أربعين ألف صورة سالبة (نيغاتيف) توثّق رحلاته المكثّفة إلى المنطقة خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
تتضمّن الصور المعروضة معالم آشورية وبيزنطية وإسلامية
لا تزال الأسئلة تُثار حول تحمّل كيرستينغ، الذي ينحدر من عائلة غير ثريّة، تكلفة جميع هذه الرحلات. ورغم عدم وجود أدلّة حول عمله لصالح الاستخبارات البريطانية، إلّا أن الشكوك تحوم حول قيامه بأدوار جاسوسية في فترة شهدت نشاطاً مكثّفاً لعدد من المستشكفين والرحّالة وعلماء الآثار الغربيين في المنطقة وفي المستعمرات البريطانية بشكل عام.
تزامنت زيارته إلى شمال العراق مع دعوات أطلقتها بريطانيا لتحقيق الحُكم الذاتي لكردستان أو استقلاله من أجل تثبيت سيطرتهم على الحقول النفطية المنتشرة هناك، لذلك حرص على إبراز الخصوصية الاجتماعية للأكراد وتنوّعهم الديني والثقافي.
وثّق كيرستينغ معظم مشاهداته في العراق بالأبيض والأسود، في فترة أعقبت ظهور التصوير الملوّن بنحو ثلاثة عقود، ما يعكس رغبته في التركيز على البُعد التاريخي الضارب في القِدم للأمكنة التي زارها، حيث تتضمّن الصور المعروضة القنوات الآشورية التي بناها الملك سنحاريب لنقل المياه إلى نينوى، والتي يعتقد العديد من علماء الآثار الآن أنها شُيّدت في موقع حدائق بابل المعلّقة، كما اهتمّ بنقوش الملوك الآشوريين المنحوتة في الصخر.
في أعمال أخرى، تظهر شوارع قلعة أربيل وهي مليئة بالناس والباعة في أكشاك السوق، وهو مَعْلم يعود بناؤه إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكذلك معبد قصر الشمس في مدينة الحضر التي مثّلت همزة وصلٍ تجاريّة بين الإمبراطوريتين الساسانية والرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، إلى جانب الثور المجنّح (شيدو لاموسو الذي شُيّد في عصر الملك الآشوري سرجون الثاني في موقع دور شروكين الأثري).
تحتوي مجموعة كيرستينغ أيضاً صوراً لمَعالم تعود إلى التاريخ الإسلامي، ومنها صورة لمسجد النبي يونس في مدينة الموصل الذي بُني في القرن التاسع الميلادي ويقع فوق معبد آشوري كما أظهرت التنقيبات الأثرية في وقت لاحق، وصوراً لأحياء وأسواق وجوامع بُني أقدمها في عهد الدولة الزنكية، بالإضافة إلى كنائس من العصر البيزنطي ومعابد يزيدية.