أنا ربيع العادي الذي تبحثون عنه

23 فبراير 2023
جزء من لوحة بلا عنوان لسعدي الكعبي
+ الخط -

كلّكم تعرفون مَن هو ربيع جابر، أليس كذلك؟ وما لا تعرفونه أنه أنا في المستقبل. اكتشفت ذلك مؤخّراً، بل الآن، وأنا على السرير، كتبتُ أبحث عن ربيع في محرّك البحث، ووجدتُ له صورة واحدة يبدو فيها كأنه سالينجر، ومقطع فيديو قصيراً، يقرأ فيه ممتعضاً سطوراً من روايته... وبعد؟ ومقالاتٍ وقصصاً عن هروبه من الصحافيين بعد فوزه بجائزة أدبية. هذا كلّ شيء عن ربيع.

لكنْ حين تأمّلتُ صورته، سرحتُ بعيداً حتّى تعقّبته في خيالي... ربيع يتحرّك في البيت، يذهب، ويعود لمكانه، يطهو الطعام، يجلس خلف التلفاز، يستحمّ، ويشرب ماء الصودا، حزيناً، في حزنه تكمن طاقته وقوّته، حزنه مخيف، وهو يشعر بتفرّده عن الآخرين بذلك الحزن الثقيل الذي يملكه.

يواجه مكتبته لساعات... ماذا يقرأ؟ رسائل الرواقيين، يجدها رسائل عادية، بسيطة وسهلة التطبيق. رواية لأوستر؟ يمكنه أن يشاهد فيلماً لـ تارانتينو أكثر متعة من رواياته السينمائية. 

هل يعود للتراث، الأعشى مثلاً؟ وداعُ هريرة لم يعد وداعاً قاسياً، هناك اليوم وداعاتٌ ألذّ وأقسى. 

يقرأ لِمَن، يقرأ لنفسه؟ لم يكتب منذ عشر سنوات. ماذا يفعل ربيع العادي بعد أن اعتزل الكتابة؟

ربيع العادي... هذا ما انتهى عليه، وهذا ما سأنتهي عليه بدوري. صحيحٌ أن اسمي حسن، لكنّني أتخيّل نفسي بعد عشرة أعوام سأكون ربيع العادي، لن يعرفني أحد حين أمرّ في الأسواق والمقاهي، سأنتهي بقَصّة شَعر مثل تلك التي يملكها ربيع، هو يعرف أي قَصّة شَعر ستكون لائقة لربيع العادي: أذناه تبرزان مرتفعتين مثل أذنيّ بالضبط، وعيناه، لو ركزت فيهما، لوجدت جفن العين اليسرى متعدّد الطيات وأطول بطيّة واحدة عن اليمنى، فتبدو عينه الأولى مرتفعة وأقرب إلى الحاجب من الأخرى.

سأحتفظ بأمراضي نفسها: اضطراب القولون العصبي، صدفية الرأس والوجنتين، الحساسية الموسمية، وكلّ كوابيسي سآخذها معي عندما أكون ربيع العادي.

لأكون أكثر إيجازاً ووضوحاً: أنا وربيع متطابقان تماماً، أكثر ممّا يتخيّل أي أحد. أنا ربيع العادي، وخلفي بعشر سنوات حسن الذي تعرفونه ذاب، وتشكّل مع الوقت والهزائم، وصار ربيع العادي ربيعَ الذي ستبحثون عنه في محرّك البحث حالما تنتهون من هذه السطور.

 

* كاتب من العراق

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون