أمادو الفادني.. ذاكرة لهولكوست أفريقي منسي

07 مايو 2022
من "سلسلة اسكاري" 2020، طباعة رقمية على ورق، 120×80 سم (من المعرض)
+ الخط -

في عام 2017، قدّم الفنان السوداني أمادو الفادني (1976) عملاً بعنوان "العاج الأسود" وثّق فيه رحلة خمسة وعشرين أفريقياً أُجبروا على مغادرة بلادهم، والالتحاق بالجيش الفرنسي الذي كان يقاتل عام 1864 في المكسيك إلى جانب أنصار الملك ماكسيميليان في مواجهة الجمهوريين.

العمل عبارة عن تجهيز متعدّد الوسائط، واستمدّ عنوانه من المواد التي كان يحملها الأفارقة المختطفون خلال رحلتهم التي تمرّ بالسودان ومصر ثم البحر المتوسط فالمحيط الأطلسي للمشاركة في حربٍ ليست حربهم، وضدّ أناس يبعدون عنهم آلاف الكيلومترات.

يستكمل الفادني نبشه في الماضي الاستعماري بالقارّة السمراء في معرضه "متحف السودان البديل" الذي افتُتح في "غاليري سولغر بيل" بلندن في الرابع عشر من الشهر الماضي ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر المقبل، ويضمّ مشاريع تنتمي إلى السنوات الخمس الأخيرة من تجربته.

أعادت ثورة يناير تشكيل رؤيته للعلاقة بين الفن والسياسة

ويعود في هذه المشاريع إلى مجموعة كبيرة من البطاقات البريدية التي كان يرسلها الجنود البريطانيون والأوروبيون إلى عائلاتهم خلال فترة استعمارهم لعدد من البلدان الأفريقية، ومنها السودان، في محاولة للوقوف عند تصوّراتهم حول المكان والبشر في البلد الذي تحتلّه جيوشهم.

كما يسترجع الفادني الصور الفوتوغرافية والوثائق التي كان يستخدمها المستعمِر في الدعاية الحربية لجيوشه، وكان يظهر فيها جنود من ذوي البشرة السمراء جُلبوا من أقصى المستعمرات على ملصقات تحمل أختاماً حربية تشبة "الآس البستوني" في أوراق اللعب، حيث كان كلّ جيش أوروبي يسعى إلى إبراز بنيتهم القوية على سبيل ترهيب الجيوش المنافسة.

ويجمع العديد من القصص والحوادث المعروفة في أفريقيا من أجل تسجيلها بصرياً، والتي وقع بعضها قبل مجيء القوى الاستعمارية التي مارست استغلالها للموارد الطبيعية والبشرية قبل وصول جيوشها خلال القرن التاسع عشر، حيث ارتبطت "الحداثة" بمختلف أشكالها في ذاكرة الشعوب الأفريقية بأقصى درجات العنف والبطش والاستعباد.

بدأ الفادني اهتمامه بخطاب الهوية منذ طفولته، وهو الذي وُلد لأبوين سودانيين يعيشان في أحد الأحياء القاهرية، ثم أتت ثورة يناير عام 2011 لتعيد تشكيل رؤيته للعلاقة بين الفن والمتغيّرات السياسية والاجتماعية، ما دفعه للاهتمام بجذوره على امتداد قارّة شاسعة حاول الاستعمار طمس ذاكرتها، فكانت تجربته الأولى حول أحد معسكرات الإبادة في ناميبيا عام 1908، والذي شهد إبادة عرقية لقبائل الهيريرو على يد الجيش الألماني، والتي قلّما تتوقّف عندها المصادر التاريخية.

يتضمّن المعرض أعمالاً تشير إلى بعض آلات التعذيب التي كانت تُستخدم لتأديب المتمرّدين من الأفارقة؛ وعملَ فيديو يحوي مقطعاً وثائقياً لعملية استعراض حربية لتشكيلات الفرق الأفريقية في الجيش البريطاني أثناء احتلاله للسودان.

بين الرسم والفوتوغراف والفيديو والتجهيزات الفراغية، يبني الفادني رؤيته للثقافة الأفريقية بعد عقود طويلة من الهيمنة التي قامت على عاملين أساسيين؛ الأوّل يعتمد القوّة التي تعبّر عنها الرموز والأزياء العسكرية، والثاني يتعلّق ببُعد اقتصادي اجتماعي يعكسه توظيف أزياء النساء الأفريقيات التي تحتوي مطبوعات الشمع الهولندية التي أغرق بها الاستعمار بلدان القارة السمراء في نهاية القرن التاسع عشر.

المساهمون