أصدقاء لغتنا: مع محمد حمادي

28 مارس 2024
محمد حمادي
+ الخط -
اظهر الملخص
- بدأ المترجم الإيراني رحلته مع اللغة العربية منذ الصغر، متأثراً برواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، مما دفعه لاستكشاف الأدب العربي وكتابة النصوص الأدبية بالعربية لجسر الهوة بين الثقافتين العربية والفارسية.
- ترجم أشعار نزار قباني ومحمود درويش، ولاقت ترجماته استقبالاً جيداً في إيران، مع تحديات تشمل الحفاظ على المعنى الأصلي وفهم السياق الثقافي واللغوي للنصوص.
- يلاحظ تركيزاً على ترجمة الأدب العربي دون الفكر المعرفي، مؤكداً على أهمية التعاون لترجمة ونشر الفكر العربي، مشدداً على دور الأدب العربي في تصحيح الصور النمطية وإثراء الأدب العالمي.

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "على عكس الآداب، تفتقر ترجمة الفكر العربي إلى التمويل الكافي من قبل المؤسسات"، يقول المترجم الإيراني لـ"العربي الجديد"


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟

اللغة العربية هي لغتي الأم، فمنذ فجر حياتي، تهادت نغمات العربية على مسمعي، همساتٌ دافئة حين هدهدتني أُمّي في المهد بتراتيل باللهجة العربية الأهوازية العذبة، فامتزجت موسيقى اللغة مع حنان الأم، وأخذ أبي يقرأ الأذان في أذني لحظة ولادتي، لينساب في روحي لحنٌ إلهيٌ خالص. ومع مرور الأيام، نمَت علاقتي مع اللغة العربية، وازداد شغفي بالأدب العربي، خاصةً بعد قراءتي رواية "رجال في الشمس" للروائي والناقد الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، وأنا في الخامسة عشرة من عمري، حيث ترك هذا العمل أثراً عميقاً في نفسي، وفتحت أبواباً جديدة على عالم الأدب العربي، فغدت العربية بالنسبة لي لغةً للحبّ والحياة والوطن، لغةً أثرت مشاعري وبلورت أفكاري، وجعلتني أُدرك عظَمة الحضارة العربية والإسلامية وقيمها الأصيلة. ومنذ ذلك الحين، أصبحتُ أقرأ بشغفٍ كلّ ما يتعلّق بالأدب العربي، من قصائد وروايات ومسرحيات، وبدأتُ أكتبُ بدوري بعض الخواطر والنصوص الأدبية، مستخدماً اللغة العربية للتعبير عن مشاعري وأفكاري. 

كما أنَّ اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية للبلاد، وتُجسِّد ثقافتها وتاريخها العريق. ولطالما سعيتُ جاهداً لِجَسر الهوّة بين اللغتين العربية والفارسية، إيماناً مني بأهمية توطيد العلاقات بين الشعبين العربي والإيراني. إذ يربطُ الشعبين العربي والإيراني تاريخٌ مشتركٌ وحضارةٌ غنيةٌ، نَجِدُ أثرها جليّاً في الأدب والثقافة. ففي القرون الماضية، برزت أسماءٌ لامعةٌ في سماء الأدب الفارسي، مثل عمر الخيام، وسعدي الشيرازي، وجلال الدين الرومي وتركوا بصمةً خالدة في الأدب العالمي. كما أنني أُؤمنُ إيماناً راسخاً بِأهمّية التواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، ولذلك أسعى جاهداً لِجَسر الهوّة بين اللغتين العربية والفارسية. فهذا التواصل يُساهمُ في تعزيز التفاهم والاحترام بين الشعبين، ويَفتحُ آفاقاً جديدةً للتعاون في مختلف المجالات.


■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقّيه؟

- كانت البداية مع أشعار نزار قباني ومحمود درويش، والتي لاقت استقبالاً جيّداً. حیث يعود جزء من هذا الاستقبال إلى جمهور القرّاء، حيث تتمتّع معظم أشعار نزار قباني بنهج رومانسي، كما أن أشعاره تربطها علاقات "بين نصّية" مع الشعر الإيراني المعاصر. في المقابل، تتمتّع أشعار محمود درويش بسلاسة الكلام والمحتوى، بينما تتناول في نفس الوقت نظرة عميقة للقضايا الاجتماعية العربية، فهي شعر مقاومة، مما جعلها تحظى باهتمام كبير من قبل المجتمع الإيراني. جزء آخر من هذا الاهتمام بالشعراء مثل نزار قباني ومحمود درويش وأدونيس يعود إلى اهتمام جمهور القرّاء العالمي بالشعر وحتى بالعالم العربي نفسه.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟

- آخر إصداراتي كانت ترجمة رواية "روما تيرمني" للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان، والتي نشرتها "دار هرمز" في الأهواز أواخر العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم نشر ترجمتي لمسرحيّتين، وهما "هملت يستيقظ متأخّراً"، و"القبض على طريف الحادي" للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان قريباً عن "دار أفراز للنشر"، وسيتم عرضهما في معرض الكتاب بطهران للعام الجاري.

سعيٌ لجَسْر الهوّة بين اللغتين الجارَتين العربية والفارسية


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟

- تتميّز كلّ لغة بنظامها الخاص الذي يُحدّد قواعدها التركيبية والنحوية، مماّ يخلق تنوّعاً فريداً في التعبير عن المعاني والأفكار. وتعتبر هذه البُنى اللغوية من أهم العوامل التي تُحدّد صعوبة أو سهولة عملية الترجمة. ويُواجه المترجم تحدّيات جمّة عند نقل النصوص من لغة المصدر إلى لغة الهدف. لا يكفي مجرّد استبدال الكلمات من لغة إلى أُخرى، بل يجب على المترجم فَهْم السياق الثقافي واللغوي للنص الأصلي وإعادة صياغته بطريقة تتوافق مع قواعد اللغة الهدف وتُحافظ على المعنى الأصلي. ولا تُستثنى ترجمة النصوص من اللغة العربية إلى الفارسية والعكس من ذلك، ويجب على المترجم بذل الكثير من الجهد والطاقة في هذا المجال. كما أنَّ نقل المحتوى هو الشرط الأساسي، لكنه غير كافٍ، وبرأيي المتواضع، الشعر هو نتاج الشكل والمحتوى، وفي الترجمة، أرغب في التركيز على الجانب البنائي والبنية الفوقية للشعر، مثل حياة الشاعر ووجهة نظره وعصره، بالإضافة إلى المحتوى.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟

- أُقرُّ بوجود تركيز على ترجمة الأدب العربي مقارنةً بترجمة الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، وربما يعود ذلك لاعتقادي بأن الأدب ينفرد بجماليات اللغة العربية، بينما الفكر والإنتاج المعرفي هما مجالان تقنيان لا يتطلبان نفس المستوى من المهارات اللغوية، وقد تكون ترجمة المصطلحات الفنّية والتقنية أكثر صعوبة من ترجمة النصوص الأدبية. كما أنَّ ترجمة الفكر والإنتاج المعرفي تفتقر إلى التمويل الكافي من المؤسسات الحكومية والخاصة. ولتجاوُز هذه الحالة بصورة عامة، يجب أن يكون هناك تعاون مع المؤسسات والمترجمين في الدول الأُخرى لترجمة الفكر العربي ونشره على نطاق أوسع، كما يجب تقديم حوافز للناشرين لنشر ترجمات الفكر، مثل إعفاءات ضريبية أو دعم مالي.

بإمكان الأدب العربي أن يُصحِّح الصورة النمطية عن العرب


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟

- لم يسبق لي التعاون مع أي مؤسّسة في العالم العربي، باستثناء دور النشر العربية، وذلك في مجال النشر.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟

- يتميّز الأدب العربي بتنوّعه وثرائه، فهو نتاج حضارة عريقة تمتد لآلاف السنين، ويضمّ هذا الأدب مختلف الأشكال الإبداعية من شعر وقصة ورواية ومسرح ونقد، وقد تناول مختلف المواضيع الإنسانية والفكرية. كما أنّ الأدب العربي يعكس ثقافة العرب وتاريخهم وقيمهم، ويُعدّ ذاكرة جماعية تُحفظ وتُنقل عبر الأجيال، ويُحفّز التفكير النقدي والإبداعي لدى القارئ، ويُساعده على تحليل المواقف والأفكار المختلفة، ويُساهم في تنمية الوعي الاجتماعي والسياسي لدى القارئ، ويُعزّز شعوره بالمسؤولية تجاه مجتمعه، ويُعزّز القيم الإنسانية النبيلة مثل الحب والسلام والعدل والحرية والتسامح، والحوار بين الثقافات المختلفة، ويُساهم في بناء جسور التواصل بين الشعوب. وبإمكان الأدب العربي أن يُطلِع العالم على الثقافة العربية وقيمها، ويُصحِّح الصورة النمطية عن العرب، ويُثري الأدب العالمي، ويُضيف إليه إبداعات جديدة وأفكاراً ثرية.



بطاقة 

مُترجم وكاتب من مواليد قرية السابلة في محافظة خوزستان 1979، يترجم بين اللغتين العربية والفارسية. له في الترجمة من الفارسية إلى العربية: مختارات قصصية لسيمين دانشوَر بعنوان "طيور الأحلام المهاجرة" (بالاشتراك مع خيرية دماك قاسم، 2020)، ورواية "مشهدان" (2021)، لغزالة علي زاده، و"رسالتان في الفلسفة الإسلامیة" (2021) لجلال الدين همائي، و"فراشة تائهة في المدينة" مختارات من قصائد علي رضا بهرامي، و"ما زال البحر هادئاً" (2022) مختارات قصصية لمجموعة كتّاب، ومختارات من حكايات الملحمة الفارسية الكبرى "الشاهنامه" (2022) لأبي القاسم الفردوسي، ومجموعة "العمى الأحمر" القصصية (2022) لعالية عطائي، و"الاستبداد والديمقراطية والحركة الوطنية في إيران" (2022) لمحمد علي همايون كاتوزيان.

كما له في الترجمة من العربية إلى الفارسية؛ روايتا: "الأسود يليق بك" (2021) لأحلام مستغانمي، و"بوركيني" (2022) لمايا الحاج، وفي الشعر: "أثواب العشق" (2015) لندى أنسي الحاج، و"ألهو بوريقات" (2016) لجوزف دعبول، و"راهب العنب" (2018) لنضال القاضي، ومختارات من قصائد سعيد جاسم الزبيدي بعنوان "البنفسج الحزين" (2018)، و"أبجدية الياسمين" (2020) لنزار قباني، و"لا تعتذر عمّا فعلت" (2020) لمحمود درويش، وفي القصة: "تجليّات شهرزاد" (2022) لعماد الدين إبراهيم، كما تصدر له قريباً مسرحيّتَا: "هملت يستيقظ متأخّراً" و"القبض على طريف الحادي" لممدوح عدوان.

 

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية
المساهمون