- أعترف بشيء من الخجل بأني اخترت دراستي ومهنتي صدفة وبدون أي معرفة مسبقة باللغة العربية. لقد بلغني أن هناك قسماً للاستشراق في جامعة بلغراد فشعرتُ بأن دراسة اللغتين العربية والتركية قد تكون مغامرة وتحدياً من نوع ما. وفعلاً حدث أن انفتحت أمامي عوالم جديدة وأصبحت الدراسة والبحوث العلمية في ما بعد مصدر متعة عظيمة وجزءاً لا يتجزأ من حياتي.
■ ما أول كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقيه؟
- أول كتاب ترجمته بقي في درجي ولم يصدر أبداً. في بداية التسعينيات حينما كنت أكتب أطروحة الماجستير عن أدب غسان كنفاني ترجمت روايته الشهيرة "رجال في الشمس" فقدمتها لبعض الناشرين ولكنهم لم يهتموا بها. أسباب ذلك قد تكمن في الأزمة الاقتصادية التي أرغمت الناشرين على اختيار الكتب المربحة والتغيّر في الرأي العام في كرواتيا بخصوص القضية الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً. فبعد تفكك يوغسلافيا لم تعد كرواتيا تابعة لحركة عدم الانحياز وتوجهت في سياستها نحو الغرب مما أدى إلى تراجع ذكر معاناة الفلسطينيين وقضيتهم في وسائل الإعلام. بالإضافة إلى ذلك كانت أخبار الحروب في كرواتيا والبوسنة آنذاك سائدة بطبيعة الحال.
الآن تحسّن الوضع وأعتقد أن القرّاء والناشرين في كرواتيا أصبحوا أكثر انفتاحاً نحو الآداب غير الغربية عموماً ومنها الأدب العربي. أما رواية كنفاني فصدرت في ما بعد باللغة البوسنية التي يفهمها طبعاً القارئ الكرواتي.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- ليس بين ترجمتي الأولى والأخيرة إلا بعض قصص غسان كنفاني التي نشرتها في المجلات الثقافية. سبب هذه القلة هو توجهي من بحث الأدب العربي الحديث إلى المخطوطات من العهد العثماني وذلك بعد عملي في أرشيف المخطوطات الشرقية لدى الأكاديمية الكرواتية للعلوم والفنون في زغرب. وبالرغم من انتقالي في عملي العلمي إلى النصوص العثمانية وخصوصاً تلك التي ألّفت في البوسنة إلا أنني لم أهمل اللغة العربية إطلاقاً، فالكثير من المخطوطات مكتوبة بها لأنها ظلّت لغة العلوم عند العثمانيين.
كان البشانقة المتعلمون آنذاك يكتبون بالعربية والعثمانية والفارسية. على سبيل المثال آخر نص ترجمته جزئياً وكتبت عنه مقالة قد أُلّف سنة 1609 في البوسنة. وهكذا أصبحت قراءة الأدب العربي الحديث مقتصرة على وقت فراغي من العمل. فحدث مرة وأنا أقرأ قصائد الشاعر أدونيس أن اجتاحتني الرغبة في ترجمة بعضها كي أتذوقها بلغتي. لن أبالغ إذا قلت إنني أحسست بعد المحاولات الأولى بنوع من السحر الذي ولد بيني وبين تلك القصائد وكانت انطباعات أصدقائي الذين أرسلت إليهم الترجمات مشابهة.
وهكذا تحولت الترجمة إلى سفر ممتع ومثير للغاية أدى إلى إعداد ونشر مجموعة مختارات عنوانها "مرآة الحلم" تتضمن قصائد كتبها أدونيس عبر ستين عاماً. لقي الكتاب اهتماماً كبيراً في كرواتيا فنفدت الطبعة الأولى خلال بضعة أسابيع. ومما أسهم في ذلك القبول هو حضور أدونيس معرض الكتاب في مدينة بولا الكرواتية حيث كان ضيف الشرف.
افتتح أدونيس المعرض وقدم مجموعته وألقى بعض قصائده أمام الجمهور. غطت وسائل الإعلام زيارته لكرواتيا وصدور كتابه وأعتقد أن ذلك الترحيب فتح أبواباً أمام الترجمات المقبلة للأعمال العربية. أما إصداري القادم فآمل أن يكون مجموعة جديدة لقصائد أدونيس.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجمة من اللغة العربية؟
- إن العقبات أقل بكثير اليوم مما كان عليه الحال قبل عصر الإنترنت. إذ أصبح الحصول على الكتب والمقالات والاتصال بالمؤلفين والتأكد من المعلومات والبحث عن معاني الكلمات أسهل. هناك نوع آخر من العقبات وهي التي تنبع من الاختلاف الثقافي. على سبيل المثال يصعب على القارئ الكرواتي فهم بعض الأعمال الأدبية المليئة بالإشارات إلى الأشخاص والأحداث من تاريخ العرب. في النثر يمكننا إضافة التفاسير ولكنه يصعب في ترجمات الشعر لأن الإفراط في التدخل يثقل الأبيات ويعرقل القراءة.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- أوافق على ملاحظتكم وأضيف أن كرواتيا استثناء في هذا الصدد فعندنا مستعرب اسمه دانيال بوتشان تخصص في ترجمة كتب الفلسفة العربية. لقد ترجم عبر بضعة عقود مؤلفات ابن سينا وابن رشد والغزالي وابن ميمون. يمكن القول إن هذا الإنتاج المثير للإعجاب نبع من الميل الشخصي للمترجم وذلك في ظروف عدم توفر الدعم المؤسسي باستثناء استعداد بعض دور النشر للقيام بعمل غير مربح مالياً. أما سبل تجاوز عدم التوازن ما بين الأعمال الأدبية وغير الأدبية فهي مشكلة يصعب حلّها لأن معظم الترجمات تأتي نتيجة تفضيلات شخصية للمترجمين.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- تعداد مزايا الأدب العربي أمر مستحيل في إطار مقابلة واحدة ولذلك سأعلق على سبل تقديمه للقراء الأجانب. أعتقد أنه على المترجمين اختيار الأعمال الأدبية ليس لكونها مجرّد صور للحياة والعقلية والعادات والسياسات في البلدان العربية فحسب، وإنما لأنها أعمال فنية وفكرية على مستوى عال. للمترجمين مسؤولية كبيرة لأن الترجمات السيئة أو ترجمات الكتب التي تفتقر إلى الجودة الفنية تشكل صورة مزيفة للثقافة العربية.
__________________
من غسّان كنفاني إلى زغرب
وُلدت تاتيانا بائتش فوكيتش عام 1963 في ألكسيناتس في صربيا وتخرّجت من قسم الاستشراق في جامعة بلغراد. كان موضوع رسالتها للماجستير أدب غسان كنفاني وموضوع أطروحة الدكتوراه عالَم مصطفى محبّي القاضي من سراييفو.
في عام 1992 انتقلت إلى زغرب عاصمة كرواتيا، حيث عملت في أرشيف المخطوطات الشرقية لدى الأكاديمية الكرواتية للعلوم والفنون. آخر ما صدر لها العام الماضي مختارات للشاعر أدونيس بالكرواتية بعنوان "مرآة الحلم".