أصدقاء فلسطين: مع كوس كوستماير

20 اغسطس 2024
كوس كوستماير
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع أصدقاء فلسطين في العالم، مثقفينَ ومبدعين وناشطين في المجالات المختلفة، ومتضامنين مع قضيتها التي تُمثِّل قيم العدالة، والتحرّر، ومقاومة الاستعمار. "لا شيء في موقف بلادي الحالي حول حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني يعكس معتقداتي وقيمي"، يقول الشاعر والروائي الأميركي لـ"العربي الجديد"


■ كيف عرفتَ لأول مرّة عن القضية الفلسطينية وكيف بدأت علاقتك مع فلسطين؟

- عرفتُ الكثير عن القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة، عن طريق القراءة والنقاش مع الأصدقاء، والتعلّم منهم، وكذلك عن طريق النشاط الداعم لفلسطين الذي تمارسه ابنتي سامانثا سليمان كوستماير، وأيضاً من خلال علاقتي الجيّدة مع صهري، الشاعر السوري فراس سليمان، الذي تزوّج من سامانثا. أعيش معهما أنا وزوجتي، ونتعلّم منهما باستمرار عن جمال وقوّة الثقافة العربية، وهي ثقافة حاولت "إسرائيل" على مدى عقود تدميرها والحط من قدرها. 
عملت ابنتي سامانثا ناشطة متطوّعة في حركة التضامن الدولية في الضفة الغربية، وكانت تجربة قاسية نوّرت بصيرتها فعادت إلى الولايات المتحدة أكثر التزاماً بالقضية الفلسطينية، وأكثر إيماناً بحقّ الشعبِ الفلسطيني في تقرير مصيره، وبفهم أعمق للخطر الذي تشكّله "إسرائيل" في المنطقة والعالم. إنَّ "إسرائيل" في حملتها الوحشية ضدّ الشعب الفلسطيني قتلت عشرات الآلاف من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وكلّلت نفسها بالعار، لكنّ الثقافة العربية في مواجهتها للإبادة الجماعية المتواصلة، ولقرون من العنف الاستعماري، صمدت وظلّت جميلة وحيوية، والأشخاص الذين يسهرون على حماية تلك الثقافة والسير بها إلى الأمام -بما في ذلك الفلسطينيون- يشكّلون نموذجاً للشجاعة والصمود. وحتى الآن، في خضم الإبادة الجماعية، يتحدثون إلينا من بين الأنقاض، ومن وسط سفك الدماء والنيران، مصممين على البقاء، مظهرين، كما فعلوا لعقود، القوّة التي لا تُقهر لكرامتهم وجمالهم.
 

■ هل زرت فلسطين؟ وما الانطباعات التي تكوَّنت لديك في الزيارة؟

- لم أزر فلسطين قط. لقد زرتُ سوريا ولبنان وتونس، وقرأتُ كمية لا بأس بها من أدب منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، بما في ذلك أعمال شعراء وروائيّين فلسطينيّين، وأنا محظوظ بوجود العديد من الأصدقاء من المنطقة هنا في أميركا. أنا أتعاون حاليّاً مع موسيقي فلسطيني على إنتاج عمل فنّي يجمع بين الشعر والنثر والموسيقى حول محاولة "إسرائيل" المستمرة طرد أو إبادة شعب فلسطين. آمل أن يتحدّث العمل عن إمكانية الانتصار حتّى وهو يتناول الحقائق المُرّة للمأساة.

 
■ جرائم إبادة عديدة حصلت في القرن العشرين والقرون الماضية، لكن قد تكون المرّة الأولى التي يتاح للعالم فيها "مشاهدة" إبادة جماعية عبر الشاشات والهواتف الذكية لأشهر متتالية...  كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع، وما شعورك الشخصي نحوه؟

- نعرف الحجم الكبير والمخيف للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" والولايات المتحدة، لأنَّ عدداً كبيراً من الصحافيّين والطلاب والناشطين والمواطنين العاديين والكبار في السن والشبان والأطفال الفلسطينيّين كانوا شجعاناً بما يكفي لتحويل هواتفهم الخليوية إلى أدوات لنقل المعلومات الجوهرية. هكذا نقلوا إلينا المعلومات المحزنة والمثيرة للغضب أثناء حدوثها.
نحن نشهد على نحو مباشر تفاصيل إبادة جماعية متواصلة وجرائم حرب لا تحصى، وتطهيراً عرقياً ومذابح جماعية وقتلاً للمدنيّين الأبرياء ولآلاف الأطفال الفلسطينيّين، ناهيك عن القصف العشوائي للمستشفيات ومخيّمات اللاجئين والمنازل والكنائس والمساجد ومقرات الأمم المتحدة، والنتائج المباشرة التي لا يمكن إنكارها لإبادة جماعية متواصلة، ومحاولة "إسرائيل" وقوات الاحتلال الإسرائيلية إبادة وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وتحويل غزّة كلّها إلى مستودع للجثث.

 
■ كيف تلخّصُ موقفَ حكومة بلدك من القضية الفلسطينية عموماً، وكيف تشعر حيال هذا الموقف، وإلى أي درجة يُمثّلك؟

- في عهد الرئيس جوزف بايدن؛ الذي نُعت في أنحاء العالم كلّها باسم "مُرتكب الإبادة الجماعية جو"، قامت الولايات المتحدة بدعم ومناصرة وتشجيع وتمويل حرب قائمة على الإبادة الجماعية تهدف إلى إفراغ فلسطين من سكانها العرب، وقتل العدد الأكبر من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، كي تستطيع "إسرائيل" الاستيلاء على فلسطين كلّها من النهر إلى البحر. 
تحاول "إسرائيل" أن تفرض سيادتها عن طريق القتل، لكن فلسطين للفلسطينيين وليست للإسرائيليين، ولقد انتهكت الولايات المتحدة القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية، كي تساعد "إسرائيل" على إكمال عملها الإجرامي القائم على التطهير العرقي الذي بدأ مع النكبة ويتواصل حتى اليوم.
إنَّ هذه الإبادة الجماعية التي نشاهدها كل يوم على شاشات هواتفنا ونرى أهوالها تتكشف أمام أعيننا ساعة تلو أخرى وأسبوعاً بعد آخر وشهراً بعد شهر، يجري تنفيذها بأسلحة أميركية، وتُموّل بدولارات أميركية لسفك الدم الفلسطيني. 
من وجهة نظري، بايدن مجرم حرب، والأمر المخجل أكثر هو أنّه جعل نفسه بدراية تامّة ورغبة شديدة مموّل المذبحة، وأشرف بنفسه على قتل الآلاف المؤلفة من الأطفال. لا شيء في موقف بلادي الحالي حول حرب الإبادة التي تُشن ضد الشعب الفلسطيني يعكس معتقداتي وقيمي وآمالي أو إحساسي بما يعنيه أن تكون كائناً إنسانياً محترماً. وفي ظلّ حكم بايدن ونتنياهو، وكلاهما قاتل ومجرم، ترتكب "إسرائيل" والولايات المتحدة قتلاً ممنهجاً (هولوكوست) في القرن الواحد والعشرين، وأنا أكتب ضد هذا الهولوكوست وأتظاهر ضده وأتحدث ضده، ولكن لا أستطيع إيقافه. أستطيع القول فحسب: ليس باسمي.
 

أعمل على مشروع شعري نثري وموسيقي حول إبادة شعب فلسطين
 

■ ما ميادين النشاط التي تقترحها على مواطنيك وعلى المواطنين في العالم لدعم القضية الفلسطينية والعدالة في فلسطين؟

- نستطيع أن نحتج، أن نتحدث ضد الإبادة الجماعية، وأن نتظاهر ونتبرع بالنقود. نستطيع أن نقول الحقيقة للسلطة، وأن نتذكر أن هناك وحوشاً، وأن الموت مباشر، والإبادة لا يمكن الصفح عنها، لكن التاريخ طويل وأحياناً -ليس دوماً ولكن أحياناً- التاريخ ينقلب ضد الظالمين لصالح المظلومين. يمكننا أن نغضب، ويجب علينا أن نفعل ذلك، ولكن يمكننا أيضاً أن نأمل في أن تستمر الثقافة العربية العريقة، رغم هذه المحاولة الأخيرة لتدميرها، وتعود إلى نشاطها الكامل مرة أخرى في المستقبل القريب. يمكننا أن نحزن، ولدينا أسباب تدعو للقلق، ولكن يمكننا أيضاً أن نأمل، ولدينا أسباب رئيسة للأمل، تكمن بالطبع في الشعب الفلسطيني نفسه.


■ ما أكثر شيء تحبّه في فلسطين أو في الثقافة الفلسطينية؟

- أحبُّ الشعب الفلسطيني وشجاعته وتصميمه على البقاء ورغبته القوية بحماية أطفاله وحقّه بالعودة وبأن يعيش في سلام وأن يزدهر ويحوّل فلسطين كلّها من النهر إلى البحر إلى دولة حرّة وذات سيادة. صحيح أنني أحبّ الشعر – الموسيقى والكتب، وعراقة الثقافة – ولكن الكتب والموسيقى والثقافة يأتون من الناس، ولهذا يجب علينا أن نحب هؤلاء الناس ونعجب بهم. والشعب هو الذي يجب أن يحصل على الحماية من السياسات والنوايا القاتلة لكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.


■ كلمة تَوَدُّ قولها للناس في فلسطين؟

- عزيزتي فلسطين: أعرف أنَّ العالم تخلّى عنك وارتُكبت الأخطاء بحقك، وأننا نعيش وسط المذبحة، دون حماية، وهاربين، ومن دون قدرة على صدّ وحشية الطغيان. أنا بعيد جداً، أعيش في أرض هي في حالة حرب مع نفسها، لكن حتى من قلب الظلمة المشع والمتألق رأيتُ شعبك يحوّل الهواتف الخليوية إلى شهود، فاضحاً إبادة جماعية غير قابلة للوصف، ويقول لنا من نحن حقاً.  لقد نقلتم لنا الحقيقة – الحقيقة المريعة – وتستحقون إعجابنا.
لقد شهدنا من خلال أعينكم الصعود المحسوب للرعب. رأيناه يعمي عينيْ العقل. سمعنا صرخات الأطفال الذين يموتون تحت صواريخ موقّع عليها ومختومة ومُرسلة من قبل الولايات المتحدة.  لقد خانكم الغرب ولا أعرف ماذا أفعل. أجهل ماذا أقول. إن وقت العالم ينفذ، وأنا كلماتي تنفذ، وأنتم ينفذ طعامكم وماؤكم ولن يأتي أي خير من الإبادة الجماعية. ليس لدي أسلحة كي أرسلها لكم ولا دواء، لدي كلمات فحسب، فقط كلمات وأمنيات. 
أعرف أنكم لا تموتون – بل أنتم تُقتلون – لكنني رأيت إرادة الحياة لديكم وطالما أنتم أحياء لا أمتلك الحق في التخلي عن الأمل. إن الدرس الذي أتعلمه منكم يجعلني أؤمن أنكم ستنتصرون مع مرور الوقت. أحتاج إلى أن أؤمن بأملي، وآمل أن شر وعار وخزي إسرائيل والولايات المتحدة سيؤدون إلى تقوية تصميمكم لاستعادة مكانكم الصحيح على الأرض. بينما أكتب، أعلم أن أيامكم صعبة، ولياليكم مليئة بالموت والنار، ولكن حتى في ضوء كل ما عانيتم منه، وكل ما تحملتموه وتغلبتم عليه، ما زلت أؤمن أن القدر سيعيد إليكم ما هو حقكم بموجب القانون والعقل: حق تقرير المصير، الحق في أن تكونوا أحراراً في نظر العالم كله، الحق في العودة إلى حيث يظل التاريخ حياً.


■ كلمة تقولها للناس في العالم؟

- اشجبوا "إسرائيل"، اشجبوا الإبادة الجماعية، اشجبوا النكبة المتواصلة. دافعوا عن فلسطين وادعموها. اعترفوا بحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه واستعاد فلسطين كلها من النهر إلى البحر.


بطاقة

KOS KOSTMAYER روائي ومسرحي وشاعر أميركي مقيم في نيويورك. صدر له عدد من الروايات عن دار "سيسيرو بوكس"، منها رواية "فارغو بيرنز"، التي تُرجمت إلى العربية وصدرت عن "دار خطوط وظلال" عام 2022. حصل على "جائزة دائرة نقّاد المسرح" لأفضل مسرحية، كذلك حصل على "جائزة المسرح التجريبي" و"جائزة الجمعية المسرحية الأميركية"، وتُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات. تصدر له قريباً رواية بعنوان "سياسة اللّامكان" ومجموعة شعرية بعنوان "فلسطين"، تستلهم الفاجعة الفلسطينية في غزّة وتدين حرب الإبادة الصهيونية المستمرّة ضدّ الشعب الفلسطيني.

 

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية
المساهمون