- ينتقد الكاتب تشويه وسائل الإعلام للحقائق حول فلسطين، معتبرًا إياها رمزًا للمقاومة ضد البربرية الرأسمالية، ويدعو لدعم القضية عبر مقاطعة البضائع الإسرائيلية والتواصل مع الشعب الفلسطيني.
- يختتم بالإشادة بالثقافة والأدب الفلسطيني المعاصر، معربًا عن تضامنه ودعوته للعالم للعمل من أجل تحرير فلسطين، ويختار غزة كمكان يود العيش فيه لما تمثله من مقاومة.
تقف هذه الزاوية مع أصدقاء فلسطين في العالم، مثقفينَ ومبدعين وناشطين في المجالات المختلفة، ومتضامنين مع قضيتها التي تُمثِّل قيم العدالة والتحرّر. "لطالما ألهمتني المقاومةُ الموجودة في الثقافة الفلسطينية" يقول الكاتب الإيراني لـ"العربي الجديد".
■ كيف عرفت لأول مرّة عن القضية الفلسطينية وكيف بدأت علاقتك بفلسطين؟
- في سنة 1967، كنتُ في الحادية عشرة من عمري، وكنتُ دائمَ الاطّلاع على أخبار الحرب، لأنّ والدي كان رجلاً متديّناً ومتابعاً للقضية الفلسطينية. وبعد سنواتٍ قليلة، حين كبرتُ، وبدأتُ بمتابعة الرسوم الساخرة عن موشيه دايان وغولدامائير على صفحات مجلة "توفيق" الأسبوعية الساخرة، التي كان أحد أصدقاء والدي من المشتركين فيها، وتُرسَل إليه كلَّ أسبوع. ولأنني كنتُ مهتماً بالقراءة، سرعان ما انشددتُ إلى القضايا السياسية، وتوسّعتُ في القراءة عن فلسطين. وفي عمر السادسة عشرة، توصّلتُ إلى فهم شبه مكتملٍ للقضية الفلسطينية. كان المقاتلون الإيرانيون- من المتديّنين واليساريين- قد ارتبطوا بعلاقات مع التنظيمات النضالية الفلسطينية، وكانت الكتب والمطبوعات المتعلِّقة بهذا الشأن تُنشر على الملأ سرّاً وعلانيةً. ومنذ ذلك الحين شملتْ قراءاتي كلَّ ما أمكنني الحصول عليه تقريباً ممّا يتعلق بفلسطين. وقد ترجمتُ كمّاً وافراً من المقالات التي تخصّ القضية الفلسطينية، وجعلتها متوفرةً باللغة الفارسية.
■ ما هي صورة فلسطين في مخيلتك؟
- أما أنا، فلا تتمثّل صورة فلسطين بالجوْر الذي أحاق بعدّة ملايين من الناس فحسب، إذ يبلغ عدد سكان عاصمة بلادي قرابة ثلاثة أضعاف سكان فلسطين (الذين تعرض أغلبهم للعسف). إنَّ صورة احتلال فلسطين تُحيلني إلى كيفية تجسُّد البربرية الرأسمالية وانقسامات العالَم الجيوسياسية، حيث لا مكان لاحترام الإنسان، وحقوق الناس ومنها حقّهم في تقرير المصير. وعندي، أنّ احتلال فلسطين مثال صارخ للطغيان والحرمان وانتهاك أسمى حقوق الإنسان، وذلك، لسوء الحظ، أمرٌ يحدث بأشكال مختلفة في كل أنحاء العالم.
■ جرائم إبادة عديدة حصلت في القرن العشرين والقرون الماضية، لكن قد تكون المرّة الأولى التي يتاح للعالم فيها "مشاهدة" إبادة جماعية عبر الشاشات والهواتف الذكية لأشهر متتالية... كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع، وما هو شعورك الشخصي نحوه؟
- صحيح، إنّها المرة الأولى التي تُتاح فيها "مشاهدة" الإبادة الجماعية، لكن لا يمكن تناسي الدَّور الذي تلعبه وسائل الإعلام السّائدة، وهي أداة في أيدي فاحشي الثراء والصهاينة والرأسماليين. إنّها قادرة على تحويل أيّ "حقيقة" إلى "عكس حقيقة"، والتأثير على السرديات المُجتزأة التي تُبَثّ على الهواتف الذكية. وعلينا ألّا ننسى أنه من دون اعتماد تلك الهواتف على وسائل الإعلام السائدة ومزوّدي شبكات التواصل الاجتماعي مثل "تلغرام" و"واتس أب" و"إكس" (تويتر سابقاً) و"فيسبوك" وسواها من وسائل الإعلام الكبيرة، مثل "سي أن أن" و"بي بي سي" وغيرها.. لن يتجاوز حقلُ نشاط هذه الهواتف الذكية شبكاتِ تغطيتها المحلّية.
صورة احتلال فلسطين تُحيلني إلى تجسُّد البربرية الرأسمالية
■ نعرف أنَّ الشعب الإيراني تاريخياً مع القضية الفلسطينية، كيف في رأيك يمكن تعزيز مشاعر التضامن هذه عملياً؟
- تعامَلَ الإيرانيون على المستويين الرسمي وغير الرسمي على امتداد تاريخ فلسطين. ففي عهد الشاه، مثلاً، كانت هناك علاقات دبلوماسية متينة مع "إسرائيل"، بل اعترفت إيران بها، لكن في الوقت نفسه، كانت العلاقات أشدّ حرارةً بين المقاتلين الإيرانيين- من متدينين ويساريين- وبين التنظيمات الفلسطينية. على سبيل المثال، اعتُبرَ ياسر عرفات وجورج حبش ونايف حواتمة وغيرهم، في مصافّ الأبطال في إيران.
لكن بعد ثورة 1979، تغيّرت العلاقات الرسميّة مع فلسطين، وأُنشئتْ سفارة لفلسطين في طهران، إضافة إلى العديد من الأشياء الأخرى، ولكنني أرى أن توجُّه الحكومة الطائفي مع القضية الفلسطينية لم يخلّف نتائجَ إيجابية على الرأي العام الإيراني، بل حتّى إنه أضعفَ ذلك الحسَّ بالتضامن إلى درجة كبيرة. والطريقة العملية الوحيدة لتقوية التضامن تتمثّل في العودة إلى القضية الفلسطينية، وتجنُّب الطائفية، وترك حقّ صناعة القرار بيد أغلبية الشعب الفلسطيني، والدفاع عن حقوق الأمّة الفلسطينية في المحافل الدولية.
■ ما هي ميادين النشاط التي تقترحها على مواطنيك وعلى المواطنين في العالم لدعم القضية الفلسطينية والعدالة في فلسطين؟
- في حقيقة الأمر، إنَّ الرأي العام الآن هو الثاني تأثيراً في العالم، بل إنّه ينافس نفوذَ الإمبرياليّين والصهاينة العسكريَّ والسياسي. إن حشدَ الرأي العام عبر مبادرات مثل مقاطعة البضائع الإسرائيلية، والتواصل المباشر مع شعب بلدٍ ما من الأحزاب والمنظّمات والمؤسّسات غير الحكومية المناصرة للفلسطينيين هي أمور بالغة الأهمية، لشرح واقع ما يحدث الآن وما حدث تاريخياً في فلسطين. واليوم، مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزّة شهره السادس، يمكننا جزئياً أن نلحظ مؤثّرات الرأي العام في آراء بعض سياسيّي العالَم.
■ ما هو أكثر شيء تحبّه في فلسطين أو في الثقافة الفلسطينية؟
- أتابعُ الشعراء والكتّاب الفلسطينيّين بدرجة ما. الأدب الفلسطيني المعاصر هو نتاج الألم، الذي وَجد باتّحاده مع الإبداع الفردي موطئ قدمٍ له ليبلغ درجةَ العالمية ويصلَ إلى جمهور أكثر اتساعاً. لطالما ألهمتني المقاومةُ الموجودة في الثقافة الفلسطينية.
وسائل الإعلام الصهيونية تحوّل أيّ "حقيقة" إلى "عكس حقيقة"
■ كلمة تَوَدُّ قولها للناس في فلسطين؟
- أتعلّم من الشعب الفلسطيني، ولستُ في موضعِ مَن يقول شيئاً للناس سوى أني أقف معكم من أعماق قلبي.
■ كلمة تقولها للناس في العالم؟
- فلسطين هي قلب العدالة العالمية الجريح، فلنفكّر ولنبذل الجهود من أجل تحرير فلسطين ومن أجل تحرير العدالة.
■ لو قُدِّرَ لك أن تعيش في فلسطين لفترة من الزمن، في أيِّ مدينة أو بلدة تُحِبُّ أن تعيش ولماذا؟
- في غزَّة. أحبّ غزّة لثراء تاريخها، لمقاومتها وإبداعها، ولتنوُّع شعبها. والآن، بسبب تدميرها، يتنامى أسايَ الحارق أضعافاً مضاعفة.
بطاقة
كاتب وشاعر ومترجم إيراني من مواليد طهران عام 1959. من بين أعماله: "الإمبريالية في القرن الحادي والعشرين"، و"الحرب وأوكرانيا: العالم في لهب الحرب" (الصورة)، و" هل روسيا إمبريالية"، و"فيديل كاسترو بعد استقالته: مقالات ونصوص". ترجم مئات المقالات الفكرية والسياسية من الإنكليزية إلى الفارسية، كما نقل نصوصاً من الشعر الإيراني الحديث إلى الإنكليزية.