أشيل مبيمبي: عن مجتمع يشمل كلّ ساكني الأرض

16 فبراير 2023
أشيل مبيمبي أمام منزله في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، 2021 (Getty)
+ الخط -

ليست النقاشات الفكرية والمقالات الفلسفية حول الأرض بالأمر الجديد. ذلك أن كوكبنا شغل الفلسفة منذ بداياتها، مع أرسطو ثم مع الفلاسفة العرب والمسلمين وبعدهم مع مفكّري أوروبا الوسيطة، الذين وضعوا العديد من الأطروحات والنظريات في طبيعة الأرض، وموقعها من الكون، بل إن عدداً من العلماء المسلمين ــ مثل ابن سينا ــ ذهبوا حدّ تفسير عدد من ظواهرها، وبحثوا في تأثيرها وتأثير عناصرها على حياة الإنسان.

غير أن التفكير بالأرض دخل منعطفاً جديداً خلال العقود القليلة الماضية، مع دخول البشرية مرحلةً غير مسبوقة من اختلال التوازن البيئي، ومن خسارة الأرض لكثير من خصائصها ــ من مساحات ثلجية في القطبين أو من مساحات خضراء ــ، وهو ما استدعى تناول المفكّرين لهذه المسألة بعدّة جديدة تبتعد عن ميتافيزيقا القدماء ويتحوّل معها كوكبنا إلى مسألة شديدة الراهنية والوجودية.

في هذا السياق يأتي الكتاب الجديد للمفكّر الكاميروني أشيل مبيمبي، الذي صدر اليوم عن منشورات "لا ديكوفرت" في باريس تحت عنوان "المجتمع الأرضي" (أو "الجماعة الأرضية")، والذي يمثّل الجزء الأخير من ثلاثية بدأها مبيمبي مع "سياسات العداوة" و"الوحشية"، اللذين نُقلا إلى العربية.

يدخل المؤلّف موضوعه عبر النقاش مع وضدّ الفكر الفكر الغربي، حيث يشير إلى أن "الكوكب وساكنيه عاشوا، لفترة طويلة، على وقع حقائق المركزية الأوروبية"، التي فرضت خطاباً "كونياً من الأعلى" على باقي المعمورة، وهو خطابٌ يعترف كثيرٌ من المفكّرين الأوروبيين والبيئيين اليوم بأنه مسؤول، جزئياً على الأقل، عن المصائب التي تحلّ اليوم بالأرض وأهلها، من خسران للموارد، ومن تدهور للتوازن البيئي، ومن تهميش لأغلب أصقاع المعمورة على حساب مركزية السردية الأوروبية.

أشيل مبيمبي

كلّ هذا يفتح الباب واسعاً على ضرورة الخروج من هذه المركزية المنغلقة على نفسها، والسعي للإضاءة على طرق أُخرى للنظر إلى الأرض والعلاقات بين ساكنيها، وهي دعوة سبق لمفكّرين وشعراء، مثل إدوار غليسّان وسليمان بشير ديان، أن نظّروا لها، وهي الأطروحة نفسها التي يدافع عنها مبيمبيه في كتابه هذا.

يقدّم المفكّر الكاميروني رؤية أفريقية إلى الأرض والعيش، مستنداً إلى العديد من مفكّري القارّة ومن تقاليدها الثقافية وإرثها التاريخي، كما يفعل، على سبيل المثال، مع إحدى أساطير قبيلة البامبارا، التي ترى إلى الأرض باعتبارها كوكباً غير منتهٍ، أي أنها ليست غرضاً قائماً بذاته، بل كينونة في تشكُّل وتغيّر مستمرّين، وهي سردية يبني عليها مبيمبيه.

كما يبني على تقاليد الزراعة والحصاد في الساحل الأفريقي، التي يستقي منها نظريةً يسمّيها "جدلية البذرة، والبذار، والإنبات"، والتي تقوم على تناسق البشر مع تقلّب الفصول، مع وفرة الأمطار أو التصحّر، بما يعنيه ذلك من ضرورة أن تكون المجتمعات مرنة وأن تغيّر من أساليب عيشها وفق تقلُّبات الأرض، وهو ما يبدو بعيداً عن أسلوب العيش الشائع في العالم الغربي.

وفي المجمل، يدعو صاحب "نقد العقل الزنجي" إلى الخروج من العديد من المفاهيم الأوروبية، مثل الهوية، والدولة القومية، والعقد الاجتماعي، والعرق، حيث أن مستقبل البشرية يتطلّب تجاوُزاً لهذه الحدود المصطنعة، ويتطلّب فهماً لحقيقة أن علاقتنا بالأرض هي علاقة عابرين، وأن فكرة العبور هذه هي الحقيقة التي يتشكّل على أساسها الاجتماع البشري، أو المجتمع البشري.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون