أربعة باحثين يعاينون صورة العرب والغرب بعد الحرب على غزّة

07 مارس 2024
من الندوة
+ الخط -

استضاف "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ظهر اليوم، ندوة بعنوان "العرب والغرب ما بعد حرب غزّة"، ضمن الدورة الثالثة من موسم الندوات الذي أطلقته وزارة الثقافة القطرية أمس ويستمر حتى التاسع من الشهر الجاري.

تحدّث في الندوة، التي أدارها الروائي والإعلامي جاسم سلمان، كلّ من عبد الوهاب الأفندي رئيس "معهد الدوحة للدراسات العليا"، ومحمد المسفر أستاذ العلوم السياسية، وعائشة البصري الباحثة في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وباسم الطويسي رئيس برنامج دراسات الإعلام في "معهد الدوحة للدراسات".

ووصف عبد الوهاب الأفندي اللحظة الراهنة بالصعبة، ولكنها أيضاً الحاملة لتحوّلات عظيمة. وبما أن العنوان يضع الغرب والعرب على محك النقاش المستقبلي، قال إن السؤال هو: إلى أي مدى يعبّر هذا عن الواقع؟

وبالنسبة إليه، فإن أساس المشكلة هو عدم وجود كيان حقيقي اسمه العرب، وعليه ليست مشكلة عرب وغرب، بل هي تبدأ من العرب الذين دخل جزء منهم طرفاً في الحرب ضدّ فلسطين وأهلها.

وأضاف أن الحرب على غزّة لم تكن لتقع لو كانت هناك كتلة عربية من القوّة، بحيث تجعل "إسرائيل" تحسب لها حساباً، مشيراً إلى أن "العدوان على غزّة في عام 2012 انتهى خلال أيام عندما علم الصهاينة أن مصر لن تقف متفرجة".

والحال كما يراها أن "زيادة التطرف وتوسع الاستيطان ووقاحة الاعتداءات على المسجد الأقصى لم تستشرِ وتتسيد إلا بغياب الصوت العربي الموحد وكثرة العرب الهامسين ثم الصارخين بالدعم لإسرائيل".

مقابل ذلك، رأى أن المعتدلين في "إسرائيل" لم تعد لديهم حجة يقارعون بها خصومهم، لتقديم "تنازلات للعرب"، فإذا كان لـ"إسرائيل" أن تأخذ كل شيء من دون مقاومة، فما الحجة لتقديم "تنازلات"؟ والخلاصة تصبح عندهم "كلما تشددتَ وتطرفتَ تنازل العرب وأعطوك أكثر".

فت الأفندي إلى أن الحرب على غزّة كشفت تحيز النخب الحاكمة في الغرب، وهو الغرب ذاته الذي لا يعتبر نماذج مثل بن غفير وسموتريتش ديمقراطيين وليبراليين.

وفي السياق خلص إلى أن هجاء الديمقراطية والليبرالية الغربية ووصفها بالنفاق لا ينبغي أن يكون مجرّداً من تقديم بديل أفضل. ولذلك دعا في ضوء التاريخ الذي يُكتب في غزّة إلى التفكير في الوضع العربي الذي وصفه ضمن الشروط الحالية بأنه "غير نافع وغير قابل للصمود".

من ناحيته قال محمد المسفر إن القضية الفلسطينية تبوّأت مكانة لا سابقة لها منذ 1948 وأصبحت عالمية.

وقال إن "إسرائيل" التي تتصرف كعصابة تصارع أمة عربية لها جذورها في التاريخ، مع شجاعة المقاومة الفلسطينية التي يراهن "أصحاب ثقافة التيئيس وخطباء المنابر ووعاظ السلاطين وكتّاب المارينز" على استسلامها نتيجة عدم التكافؤ.

وتطرّق المسفر إلى اكتساب فلسطين تأييداً متصاعداً في أوروبا وأميركا، رغم تقييد النُّخب الحاكمة التي تدافعت لشد أزر "إسرائيل"، التي أجبرتها جنوب أفريقيا، على المثول لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة.

وانتهى المسفر إلى التحذير من تشكل جغرافيا استعمارية تُحكم "إسرائيل" القبض عليها إذا هزمت المقاومة، وخصوصاً لمصر التي كانت غزّة تاريخياً سورها المنيع وخط دفاعها الأول، مشيراً إلى أن فقدان غزّة التي تحاصرها مصر أيضاً، سيطبق الحصار على مصر في مجالاتها الحيوية الإستراتيجية التي نعاينها من جهة السودان المهدّد بالتفكك، وحرب المياه على مصر، ومن الغرب حيث ليبيا التي لا يقل الوضع فيها سوءاً عن السودان.


منظور ثقافي

وتحت عنوان "الغرب والعرب بعد حرب غزّة من منظور ثقافي"، قال باسم الطويسي إنه لا يوجد وصف دقيق للآثار التي باتت تتركها الحرب الإسرائيلية على غزّة، وإن الآثار الظاهرة لا تشكّل سوى رأس جبل الجليد، وثمة أُخرى أعمق ستأتي في القريب والبعيد.

وأضاف أن المواقف الغربية من الحرب الإسرائيلية على غزّة والابادة الجماعية التي ارتُكبت ستشكّل نقطة تحول جوهرية في منظور الحقب الطويلة للعلاقات الثقافية والحضارية بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي، بل باتت تشكّل حلقة جديدة وبوعي مختلف عن لحظات تاريخية كبرى مثل لحظة حروب الاستعمار الغربي، أو زرع "إسرائيل" في قلب المشرق العربي، أو لحظة الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 وما تبعها من حروب ثقافية.

وفي الحرب على غزّة خلال النقاش العام في العالمين العربي والإسلامي، رأى الطويسي أن ثمّة مساحة معتمة تسودها الخيبة والصدمة على مستويين؛ الأول مواقف الأنظمة العربية الرسمية العاجزة عن التأثير في مسار الأحداث أو المتواطئة، والثاني الصدمة من الدعم الغربي غير المسبوق لـ"إسرائيل" وإصرار العديد من الحكومات الغربية على رفض حتى مجرّد تأييد الدعوات لوقف الحرب والقتل.

وختم مستشهداً برواية غسان كنفاني "رجال في الشمس"، قائلاً حين يصل الروائي الفلسطيني كنفاني إلى صيغة درامية سوداء حول الموت المؤبّد الذي يلاحق الفلسطينيين "لماذا لم يدقّوا جدران الخزان"، اليوم لقد دق الفلسطينيون جدران الخزان وسمعهم لأوّل مرّة العالم كله.

وجاءت كلمة عائشة البصري بعنوان "غزّة في زمن الوحوش"، قائلة إنه رغم قتامة صورة المشهد العالمي، هناك مؤشّرات على أن الأمل ما زال ماثلاً تُجسّده الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" بتهمة الإبادة الجماعية، ويجسّده مثول أزيد من 40 دولة أمام محكمة العدل الدولية مطالبةً بوقف الاحتلال الإسرائيلي وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

وعبرت البصري عن أملها أن يزيد التضامن العالمي ويزيد انخراط الشعوب العربية لإضفاء طابع عالمي على النضال الفلسطيني، مثلما وقف العالم ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، باعتبار هذا التضامن ضرورة أخلاقية لتحيا غزّة في زمن الوحوش، كما قالت.

ولفتت إلى أن العقدين الأخيرين شهدا بداية انهيار النظام الغربي الليبرالي أو جزء منه، مبينة أنّ حرب الإبادة في غزّة أظهرت بجلاء أنّ العالم يفتقد إلى نظام دولي قائم على القانون، وأنه يمر بظرفية تاريخية مضطربة جداً، تعمها الفوضى، وتكثر فيها التحالفات والصراعات، وبلغت فيها الحروب مستوى غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ويشهد عودة الفاشية بشتى أنواعها بما فيها الفاشية الصهيونية.

هذا هو السياق الذي عاينته البصري ورأت فيه أن "إسرائيل" ترتكب الإبادة الجماعية في غزّة في ظلّ نظام دولي غربي يشهد انهيار منظومة القيم والقواعد الليبرالية وسيادة القانون، وتصدع مؤسسات الحوكمة، وضعف المؤسسات الجديدة، وقوى عالم جديد غير جاهز للقيادة، إضافة إلى خذلان العالمين العربي والإسلامي.

المساهمون