تحتاج الموسيقى بوصفها حالة فنّية تخاطب جمهوراً متنوّعاً، إلى خلق مساحاتٍ دائمة من أجل التلاقي والتواصُل سواء مع الجمهور أو بين صانعيها أنفسهم، وبهذا تؤسِّسُ لثقافة عامّة تخرجُ بها إلى أطياف متنوّعة من المتلقّين، بالإضافة إلى أنّ استنادها إلى التراث الوطني يجعلُ منها مشروعاً ثقافياً بامتياز.
"مزيج" عنوان العرض الموسيقي التونسي المُطعّم بإيقاعات عالمية، والذي قدّمه الفنّان والأكاديمي زهير قوجة على مسرح "المركز الثقافي" بمدينة الحمّامات ضمن فعاليات الدورة السادسة والخمسين من "مهرجان الحمّامات الدولي" يوم الجمعة الماضية، وفيه تمثّلت أسلوبية قوجة الفريدة.
في وصف "مزيج" (ساعة ونصف) يمكنُ القول إنّه مبحثٌ موسيقي ودرسٌ رفيع في تتبُّع ثقافات الشعوب وبخاصّة منها الأفريقية، كما أنّه بناء فرجوي يشتغل على تكامُل الحواس واستنفارها، ولا يعتمد على القوالب الجاهزة منها. إنّه كما يفصحُ عنه اسمه "مزيج" يستلف من الرقصات البدوية حماستها ويصنع من "الربوخ" و"السطمبالي" و"المزود" مادّة تبث الفرح والقوّة في آن، وهذا ما اتضح أيضاً بحالة التمازج العمومية والتي ساهم فيها الفنّانان عبد الرحمن الشيخاوي ووصال ناصر.
ومثل التلوينات التراثية التي شكّلت البُنى اللحنية في العرض حضرت أيضاً الآلات الشعبية بما تحملُه من ترجيح لكلّ ما هو أصيل، البيئة هُنا تلعب دوراً يعالج ما ينجم عن إعادة التوزيع عادةً، وبهذا تجاورت آلالات موسيقية مثل: "الشقاشق" و"القمبري" و"الجامبي" إلى جانب الغيتار والبيانو وكذلك الآلات الإليكترونية.
واستكمالاً لمعاني التنوّع في العرض تنبغي الإشارة إلى الإطار الكوريغرافي الذي توحّد بروح الموسيقى حيثُ تماهت حركات المؤدّين كريم توايمة وملاك الزوايدي ومروان روين في تمثيل بصري رشيق لواقع جهات البلاد من الجنوب والوسط ووصولاً إلى الشمال، وكذلك كانت مشاركة المغنّية الفلسطينية شهد عواودة وتمكّنها من أداء لون "السطمبالي" بشكل احترافي.
الجدير بالذكر أنّ مهرجان الحمامات الدولي افتُتح في الثالث عشر من هذا الشهر وتسمر فعالياته الموسيقية والمسرحية إلى التاسع عشر من الشهر المُقبل.