"فراغات المنتصف" لريم الجعيلي: ما تبصره الذوات المعزولة

22 اغسطس 2022
من المعرض
+ الخط -

إذا كانت البداية والنهاية كمفهومَين يملآن فضاء كلّ رحلة في حياة الإنسان بمعاني الحماسة والتتويج أو حتّى الانكسارات والخيبات، فإنّ المنتصَف له خصوصيّته المختلفة أيضاً؛ إذ طالما اعتُبر تمثيلاً للصورة الحقيقية، حيث لا الخسارة مؤكّدة ولا النجاح مكتمل. في المنتصف فقط تتكشّف صعوبة الأشياء وجدّيتها، وحسبُنا لو أشرنا إلى "أزمة منتصَف العمر" التي تجتاح الإنسان بأسئلة عن معنى حياته وقيمة وجوده.

"فراغات المنتصَف" هو عنوان معرض التشكيلية السودانية ريم الجعيلي، والذي احتضنه "المعهد الثقافي الفرنسي" في الخرطوم بين السابع والتاسع عشر من آب/ أغسطس الجاري، وهو محاولة لرصد تلك المساحة النفسية التي يشعر بها المرء جرّاء الفراغ، ولكن ليس أيَّ فراغ عابر أو أزمة عرَضية، بل عندما يلامس وجدانَه فقدُ المعنى. ومن هنا أحالت التشكيلية عنونَةَ اشتغالاتها إلى المنتصف، بوصفه مفهوماً آخر يضجّ بالإشارات وحيويّتها، رغم ما فيه من ضبابية وتعب.

تنطلق الجعيلي في لوحتها من واقعٍ تناظُري بين الإنسان والأشياء من حوله، إذ قلّما يلتفت الأشخاص عندها ليجدوا آخرهم، بقدر ما ينطوون على ذوات معزولة، ربّما ليس أمامهم سوى المتلقّي كي يخلّصهم من هذا الثقل واللاحركة التي أشبه ما تشبه بشلل الإنسان في حلمه، إنّها الحركة البطيئة والمشدودة إلى نقطة واحدة في الأرض إذن، وأكثر ما يؤكّد ذلك انحناءات الرؤوس التي تلازم الشخصيات وهي تحدّق تحديقاً مديداً إلى الأسفل، ويلفّها خوف من التطلّع إلى الأمام.

العيون الجاحظة نصف المفتوحة هي أشبه بتوقيع يرافق كلّ اللوحات

فراغات المنتصف 2 - القسم الثقافي
أكريليك على قماش

عند هذا الحدّ يمكن أن نقدّم قراءة أُخرى لمعنى المنتصَف وفراغاته، بما هو حالة جمعِيّة هذه المرّة، فالسودان شهد منذ ثلاث سنوات انتفاضةً شعبية أدّت إلى تغيير رأس الحُكم، إلّا أنّها سرعان ما طُوّقت في "المنتصف" من قوى عسكرية شتّى أرادت  أن تُغرق التغيير في الفراغ. وهذه القراءة ليست بعيدة إذا علمنا أنّ الجعيلي برزت في المشهد الفنّي في عام الثورة ذاك؛ أي 2019، حين ساهمَت في رسم الأيقونات الثورية والجداريات في شوارع الخرطوم.

طغيان الألوان الداكنة على لوحة الجعيلي هو ترجمة لأزمات العبور؛ أين يبدأ وأين ينتهي، لكنّ توقيعاً يسم مرسوماتها ويشدّ إليها انتباه المتلقّي، وهو العيون التي ترسمها بطريقة مميّزة للأشخاص، جاحظة وكبيرة تكاد تبتلع الرؤوس، ومع ذلك فإنّها نصف مفتوحة ولا تقوى على أن تأخذ مداها كاملاً.. هي مجرّد أدوات كبيرة ومشوّشة لا نعلم إن كانت تعي وتبصر حقّاً كلّ هذا الفراغ الضخم المحيط بها.

الجدير بالذكر أنّ ريم الجعيلي تخرّجت من كلية الهندسة المعمارية في "جامعة الخرطوم" عام 2018، ونظّمت أوّل معرض لها بعنوان "لوميس" عام 2017، قبل أن تتواتر معارضُها اللاحقة؛ من "أثر الفراشة" في الخرطوم سنة 2020، إلى "الفن في العزل" في واشنطن (2020) و"وُلدتُ في الذاكرة" (2021).

المساهمون