"عيد الكِتاب" في تطوان.. حين نسينا محسن أخريف

25 ابريل 2022
محسن أخريف (1979 - 2019)
+ الخط -

بحلول ربيع هذا العام، يكون قد مرَّ ربعُ قرن على ميلاد تلك المبادرة التي أطلقتها مجموعةٌ من الكتّاب والشعراء المنتمين إلى فرع "اتّحاد كتّاب المغرب" في تطوان، مع مثقّفين آخرين من المدينة، باستعادة تقليدٍ عرفته المدينة خلال فترة "الحماية" الإسبانية على شمال المغرب. تتمثّل المبادرةُ في الاحتفال بعيد الكِتاب العربي، والذي كانت الحركة الوطنية في شمال المغرب قد عملت، بمبادرة من عبد الخالق الطريس؛ أحدِ قادتها، على تأسيسه في نيسان/ إبريل 1940.

أتت تلك الاستعادة في الشهر نفسه من عام 1998، وأيضاً بالغايات نفسها التي وجَّهت التأسيس الأول. تقول مطوية البرنامج التفصيلي لعيد الكتاب بتطوان في دورته الأولى: "لقد كان 'عيد الكتاب' مناسبةً للاحتفاء بالكِتاب والكُتَّاب، ومساهمة في التأسيس لفعل القراءة كفعل حضاري بامتياز، واعترافاً بأهمّية الممارسة الثقافية في دعم الهوية الوطنية. وأخذاً بعين الاعتبار لنفس هذه المنطلقات، جاءت فكرةُ إحياء هذا العيد ما بين 17 و26 نيسان/ إبريل 1998، استحضاراً للحظة تاريخية مضيئة، واستشرافاً لمستقبل نرغب أن تكون للثقافة فيه المكانة التي تستحقّ".

أين نحن من هذه الروح وهذه الغايات؟ لقد كان آخر حدث عرفه "العيد" في دورته الحادية والعشرين هو موت الشاعر والكاتب المغربي الشاب محسن أخريف بصعقة كهربائية مِن مكروفون "عيد الكتاب" أمام صدمة الجميع. وأخريف (1979 - 2019) كانَ الفاعل الأوّلَ في تنظيم الدورات الأخيرة من التظاهُرة، قبل أن تتحوّلَ إلى جنازة بالمعنى الحقيقي لا الاستعاري.

قلنا إنّ ما حدث كان قدراً لا مفرّ منه ولا سبيل الآن إلى ردِّهِ. لكن الرجل، الذي خدم الكُتَّابَ والمثقّفين والمؤسَّسة الثقافية الرسمية بكلّ ما يملك من طاقة في تفانٍ ومودّة، له أسرةٌ، ولا يجوز أنْ تقول لهم الجهات المنظِّمة، وخصوصاً وزارةُ الثقافة: "نعتذر عمّا جرى، لأنّ أحوال الطقس هي التي تسبّبت في هذه الكارثة، وعوّضكم الله خيراً عن الفقيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله". إذا تعرَّض عاملٌ لحادث أثناء قيامه بعمله، فإنَّ ذلك يستلزم تعويضات بحسب الأضرار. والرجُلُ قضى خلال العمل بأدوات العمل نفسه. أفلا يحقُّ لعائلته أن تُعوَّض؟

أين نحن في ربيع 2022 من روح عيد الكِتاب وغاياته؟

لكنّ وزارة الثقافة اختارت الهروب إلى الأمام منذ اليوم الأول؛ فقد أُقيمت جنازةُ أخريف بينما كان وزير الثقافة، حينها، محمد الأعرج، في زيارة إلى مدينة تطوان. لكنّ الوزير فضّلَ ألّا يحضر مراسمها، ربما لشعوره بثقل المسؤولية، وعدم قدرته على مواجهة أهل الفقيد والمشيّعين؛ إذْ كان والدُ الفقيد المفجوع ينتحب ويتساءل إذا كان ابنُه قد مات فعلاً. في ما بعد، عمدت وزارة الثقافة - ربما من أجل ذرِّ الرماد في العيون - إلى إصدار الأعمال الكاملة القليلة التي خلّفها أخريف، من دون أن تهتمّ بفكرة التعويض المادي لأُسرته.

اليوم، وبعد احتجابه لسنتَين بسبب جائحة كورنا، عاد "عيد الكتاب" في ثوب جنائزي، إذ فرض مسؤولو وزارة الثقافة، باعتبارهم منظّمي التظاهرة، طيَّ صفحة أخريف في كفن النسيان. جرى تغييبُ كلّ ما يمتُّ إليه بصلة؛ فحتى الأعمال الكاملة التي نشرتها الوزارة لم يجرِ تقديمها خلال التظاهرة. في المقابل، جاء المتهافتون من كل حدب وصوب بعد أن تكتّلوا في جمعيات تعمل على الاستيلاء على ذلك الميراث، ولم ينتبهوا إلى أنّ أقدامهم تدوس حيثُ قضى الرجُل في صعقة "عيد الكِتاب".

صعقةُ الكتّاب أشدّ. كم أحسستُ بالخزي وأنا أرى المهرولين من أجل الريع وأفواههم تحت كمامة الرقيب الذي يرسم لهم الخطوط الحمراء، فلا يقولون إلّا ما يشتهي. وباعتباري أحدَ مؤسّسي التظاهُرة في صيغتها الجديدة مع شعراء وكتّاب آخرين (محمد الميموني، ومحمد الدحروش، ورضوان احدادو، ومحمد عز الدين التازي، وعثمان أشقرا، وعبد اللطيف البازي، وحسن مارصو)، أصبح "عيد الكتاب"، بالنسبة إليّ، مُجرَّد ذكرى من الماضي.

أذكر أنّنا، حين أحيينا "عيد الكتاب"، أردناه أن يكون ذاكرةً، وأن يحتفي بالكِتابِ والكُتَّاب. لكنه يأتي هذا العام ليكرّسَ النسيان والمحو ويطبِّل ويُزمّر مع المتواطئين مع المؤسّسة الرسمية وهي تسلبُ شاعراً حياته، وتمنع تداول اسمه في محفل كان من صانعيه الأساسيّين، وتقول للجميع: "كفى حديثاً عن ذلك الذي يخيّم بظلاله في سمائنا... مات الملك عاش الملك".

أيُّ نفاق ثقافي وأي جحود، هكذا صار مآلُ الثقافة في بلاد لا تعترف لأبنائها بشيء.. أيّ أيتامٍ نحن في مأدبة للئام؟


* شاعر ومترجم من المغرب

الأرشيف
التحديثات الحية
المساهمون