يتكثّف في أدب الروائي والمترجم والفنّان الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا (1920 - 1994) الكثير من التجارب، سواء على مستوى المضمون أو من حيث الشكل، حيث كتبَ الرواية في لحظة لم يكن هذا الفن قد تأسّس بشكلٍ ناجز بين الآداب العربية. علاوة على ذلك، فقد تمكّن خلال مسيرته كتشكيليٍّ ومثقّفٍ عربي كتبَ بالإنكليزية باكراً، أن يتفرّد بمساحة فيها من الجِدّة الكثير.
بالنظر إلى هذا السياق، تمكنُ قراءة ترجمة روايته "صراخ في ليلٍ طويل" إلى الإنكليزية، والتي صدرت مؤخّراً عن "منشورات دارف" بتوقيع المترجم الأميركي وليم تَمبلِن. ومع أنّ الرواية قد كتبها جبراً أساساً باللغة الإنكليزية وأنجزها قبل النكبة والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، إلّا أنّه عاد إلى ذلك النّص لاحقاً بعد النكبة والتهجير اللذين ألمّا بالشعب الفلسطيني، إذ تنقّل الروائي بين عدة مدن عربية وأجنبية قبل أن يستقرّ في بغداد.
نظر صاحب "تموز في المدينة" (1959) في نصّه الروائي الأوّل، ثمّ رأى أنَّ من الأجدر نشره باللغة العربية، ويعزو مترجم الرواية في حديثه لـ"دورية الأدب العربي"، هذا التغيُّر في موقف جبرا، إلى قناعة الأخير بأنَّ التحديث يبدأ من الثقافة، ولا تمكن المساهمة فيه إلّا باللغة العربية سواء تأليفاً أو ترجمة.
ويتابع تمبِلن تساؤلاته حول مصير المخطوط الإنكليزي الأصلي، إذ يُرجّح أنَّه قد أُحرِق أو سُرِق في خضمّ استهداف بعض الجماعات، عام 2010، مبنى السفارة المصرية في بغداد، القريب من منزل عائلة جبرا.
لم يُرِد جبرا لروايته أن تتحدّد بزمان أو مكان؛ هي رواية عربية وحسب، يروي فيها قصّة أمين سماع على مدار سنتين من حياته البوهيمية، وفي هذا شيء من التناصّ مع سيرته هو نفسه، حسب ما يرى المترجم.
أمّا من ناحية الأسلوب، فقد كانت هذه الرواية ــ على صغر حجمها ــ فارقةً في تاريخ الأدب العربي الحديث وفي مسيرة جبرا الروائية، وقد توقّف عندها نقّاد كثُر، لكنّ أسلوبها الأبوكاليبسي وتناولها السياسي غير المباشر هو ما جذبَ المترجم الأميركي لإعادة الالتفات إليها.