"سينما الانشراح": ضوء على "شارع حيفا"

21 يوليو 2021
(من فيلم "شارع حيفا" للمخج مهند حيال)
+ الخط -

يسقط أحمد على الأرض برصاصة أحد القنّاصة الذي سيُفرغ رصاصاته على كلّ مَن يحاول من المارة الاقتراب من الرجل الجريح، في مشهد يشكّل أساس فيلم "شارع حيفا" (2019) للمخرج العراقي مهند حيال، الذي يكثّف في ثمانين دقيقة أحوال بلاده بعد الاحتلال الأميركي، والدمار الذي حلّ في المكان وترك آثاره العميقة في دواخل العراقيين.

يُعرض الفيلم عند الثامنة من مساء الثلاثاء المقبل، السابع والعشرين من الشهر الجاري، في "المركز الثقافي العربي" بمدينة حيفا المحتلّة، ضمن فعاليات الموسم الرابع من "سينما الانشراح" التي انطلقت الثلاثاء الماضي بتنظيم من "جمعية الثقافة العربية" وبالتعاون مع "عودة للإنتاج" و"فيلم لاب" في فلسطين.

يضمّ البرنامج عرض أفلام "غزة مونامور" (2020) للمخرجين الشقيقين طرزان وعرب ناصر الذي عُرض يوم الافتتاح، و"200 متر" (2020) للمخرج أمين نايفة الذي يُعرض الأحد المقبل، ويُختتم البرنامج بفيلم "ستموت في العشرين" (2019) للمخرج السوداني أمجد أبو العلاء.

في "شارع حيفا"، يقدّم المخرج اــ لذي تشارك مع هلا السلمان في كتابة السيناريو ــ قصة بسيطة تدور حول أحمد الذي قرّر الزواج من نادية، حيث زارها في بيتها الكائن بشارع حيفا وسط منطقة الكرخ ببغداد، ولم يدر أن نهايته ستكون حين يغادر منزل خطيبته في لحظة كان العراق يعيش أقسى ظروف الفوضى والانفلات الأمني بعد الاحتلال.

يكثّف الفيلم في ثمانين دقيقة أحوال العراق بعد الاحتلال الأميركي

تدور الكاميرا صوب القنّاص سلّام الذي يعتقد أهله، ومنهم شقيقته نادية، أنه اختفى في السجون العراقية حيث صوره معلّقة على جدران البيت مثل صور الآلاف من الشباب العراقيين الذين اختفوا في الحرب أو في المعتقلات، ليتبيّن أن سلّام انتسب إلى تنظيم "القاعدة" بعد خروجه من السجن، وانطلق ينشر الموت في كلّ مكان.

شهِد الشارع ذروة المواجهات عام 2006 بين الفصائل المسلحة التي تقاتلت في صراع طائفي لم يفض إلا إلى مزيد من الخراب والانقسام، وشهد أيضاً انتهاكات المحتّل الأميركي، حيث يحضر المكان الذي يحتضن جميع أحداث الفيلم، ويعكس قصّة كل بطل من أبطاله الذي قادتهم أقدارهم ليكونوا ضحايا أو شهوداً على العديد من المجازر التي وقعت وسط صمت داخلي وخارجي.

يعبّر سلّام عن لحظة عجز وقهر عاشها العراقيون، فيظهر في الفيلم غير قادر على إقامة علاقته مع زوجته، وهي شقيقة مسؤوله في تنظيم "القاعدة"، كما أنه يبدو مصاباً بالجنون في محاولة منه لحماية شقيقته وأهله من أي غريب يقترب منهم، بسبب معرفته الجيّدة بممارسات الجماعات المسلّحة في استغلال النساء وتحويلهنّ إلى سلعة لمن يدفع أكثر من جنود الجيش الأميركي وأمراء الحرب.

في نهاية العمل، يكتشف المشاهد أن أحمد الذي قتله قنّاص يائس هو مصوّر استطاع أن يسجّل مشاهداته في سجن "أبو غريب"، ويوثّق انتهاكات الجنود الأميركيين بفعل تعاونه معهم، لكنه سيترك عمله نتيجة نظرات المعتقلين إليه أثناء تعذيبهم، ومعه كاميرا صغيرة لكنها تحمل أسراراً كبيرة.

يختصر "شارع حيفا" أهوال الحرب والقتال الداخلي من خلال تصوير مجموعة من القصص الشخصية المختلفة لأناس تواجهوا بالرصاص والنار، وبقلوب مِلْؤها الشكّ والكراهية، وبالخوف واليأس اللذين يصوغان حاضرهم ونظرتهم إلى المستقبل، ويكون القاتل والقتيل مجرّد ضحيّتين لاستبداد السلطة والاحتلال.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون