لا تتوقّف الصِلات التي يمكن إقامتها بين بيروت والورق على حقيقة أن العاصمة اللبنانية مثّلت ما يمكن تسميته "مطبعة العرب" طيلة عقود، من خلال دُور نشرها التي كانت تستقبل وتطبع وتوزّع ما كانت تخشى استلامه كثيرٌ من دور النشر الأخرى في العالَم العربي. ذلك أن صِلة أُخرى، أكثر مباشرة، تجمع بين بيروت، ولبنان بشكل عام، وبين الأوراق: الهشاشة.
بمناسبة "اليوم العالمي للأرشيف"، الذي يُحتفى به سنوياً في التاسع من حزيران/ يونيو، تَفتتح منظّمة "أمم للتوثيق والأبحاث"، عند السادسة من مساء اليوم الجمعة، معرضَ تجهيز للفنان ألفرد طرزي، بعنوان "ذاكرة مدينة من ورق"، في فضاء "الهنغار" بالعاصمة اللبنانية.
من خلال أرشيف ضخمٍ من المجلّات والصحف، ولا سيّما من رسومات الكاريكاتير، والصور، التي صدرت في لبنان بين ثلاثينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي استغرق جمعها وتوثيقها سنوات عدّة، يقترح طرزي بناءً هندسياً من ورق، يعيد من خلاله تشكيل مدينة متخيّلة تشبه بيروت في هشاشتها وحاضرها الذي نعرفه اليوم، كما تتقاطع معها في تاريخ، من خلال المواد الصحافية التي تستحضر لحظات من ماضي العاصمة اللبنانية.
مدينة متخيّلة تشبه بيروت في هشاشتها وحاضرها الذي نعرفه اليوم
والتجهيز الذي يقدّمه الفنّان هو نتيجة تعاون مشترك بينه وبين "أمم للتوثيق والأبحاث"، كما أنه، بتعبير طرزي، تكملةٌ للنقاش المستفيض حول التاريخ الذي كان يدور بينه وبين الكاتب والناشر والناشط اللبناني لقمان سليم، الذي اغتيل العام الماضي. ويعود هذا الأرشيف إلى مصادر مختلفة، مثل "أمم للتوثيق والأبحاث" والمجموعة الخاصّة بالفنان، إضافة إلى مصادر أُخرى.
كما يضمُّ الأرشيف مجموعات نادرة من إصداراتِ مطبوعاتٍ برزت في بيروت خلال القرن الماضي، مثل "الصيّاد"، و"الدبّور"، و"الهدف"، و"ألف ليلة و ليلة"، و"المجالس المصوّرة"، و"الجمهور الجديد"، و"الشبكة"، وغيرها؛ أعدادٌ يستخدم الفنان أغلفتها وصفحاتها الداخلية ورسوم الكاريكاتير المنشورة فيها وفقاً لخطٍّ زمنيّ تصاعدي، مع العلم أن الجزء الأكبر من الأرشيف المكتبيّ لهذه المجلّات والصحف قد دُمّر أو فُقد بالكامل، في ظروف ولأسباب مختلفة.
وإضافة إلى توثيقه لقسم من تاريخ بيروت، وإعادة تشكيله لحالتها الراهنة وفي العقود الأخيرة، فإن "ذاكرة مدينة من ورق" يمثّل أيضاً تحيّةً واستعادةً لعددٍ من أبرز الرسّامين الصحافيين ورسّامي الكاريكاتير الذين عرفهم لبنان خلال القرن الماضي، مثل بيار صادق، وستافرو جبرا، ومحمود كحيل.