"جائزة بيبلوس" للشاعرة المكسيكية جانيت لوزانو كلاريوند

01 مايو 2022
(جانيت لوزانو كلاريوند خلال استلامها الجائزة)
+ الخط -

حازت الشاعرة المكسيكية من أصل لبناني، جانيت لوزانو كلاريوند، الخميس الماضي، "جائزة بيبلوس الاستحقاقية" في دورتها الجديدة لعام 2022، والتي تمنحها "جمعية بيبلوس" بالتعاوُن مع "المركز اللبناني" و"السفارة اللبنانية" في المكسيك، للمبدعين المكسيكيّين ذوي الأصول اللبنانية الذين ساهموا في إثراء المجتمع المكسيكي، والإنسانية بشكل عام، في المجالات العلمية والثقافية والإبداعية.

ونالت الشاعرة الجائرة في فرع الإنسانيات، عن مسيرتها الإبداعية الاستثنائية؛ حيت تُعتبر واحدة من الأصوات الشعريَّة الأنثويَّة الفريدة في بانوراما الشِّعر المكسيكيّ.

وجرى توزيعُ الجوائز في حفلٍ احتضنته "قاعة بعلبك" في العاصمة مكسيكو بحضور مجموعة من الشخصيات الثقافية المكسيكية ذات الأصول اللبنانية، والمقيمة في المكسيك؛ حيث جرى الاحتفاء بمسيرة الشاعرة التي، وإلى جانب تجربتها الشعرية، أسّسَت داراً للنشر، وتُعتبر من أبرز المترجمات عن اللغة الإنكليزية، واشتهرت بترجمتها لأعمال الشاعرة الكندية آن كارسون.

جانيت لوزانو كلاريوند - القسم الثقافي
(جانيت لوزانو كلاريوند خلال استلامها الجائزة)

يُذكر أنّ جانيت لوزانو كلاريوند ولدت في تشيهواهوا بالمكسيك عام 1949، وحصلت على الإجازة في الفلسفة والأديان المكسيكيَّة القديمة. ولها ما يقارب عشرة دواوين شعرية؛ من بينها: "لحظات الماء" (2007)، و"ذاكرة مُقْفِرة" (2002)، و"دم خفيف" (2011)، و"دفاتر تشيهواهوا" (2013). كما حازت العديد من الجوائز أبرزها: "جائزة سان خوان دي لا كروز" الشعرية عام 2018. وقد صدرت لها مؤخراً عن "الهيئة العامة لقصور الثقافة" في مصر أنطولوجيا شعرية بعنوان "المرأة، التعب، أشجار الحور"، ترجمها عن الإسبانية جعفر العلوني.

هنا قصائد للشاعرة بترجمة جعفر العلّوني


طريقي-
بوحٌ مُرهفٌ ونحيلٌ
لغة رمز وإشارة-
جذرٌ.
العيونُ بريقٌ دائم
وبين يديك يخلق الشروق،
فيما تُصغي بإخلاص إلى موسيقى الشجر.


■ ■ ■


من أين لي أن أعبرَ البحيرة،
أن أعبرَ الطينَ المُلتصقَ بين الصخور؟
من أين لي أن أعبرَ
والقمرُ لا ينعكسُ على سطحها؟
من أين لي أن أعبرَها
ولا مكانَ لي في مائها؟
طيورٌ تهاجرُ،
وشجرٌ ذابلٌ،
والأرضُ الآنَ
عَطشٌ دائم.


■ ■ ■


في العشيَّة، هذي العشيَّة،
دخلتُ في حديث معَ البحر،
وصلتُ فيه إلى أعماق عينيه،
أنّى تراءى لي الموجُ مرايا من الريبة.
آهٍ، أيُّها الليل،
اقتلعني من هذا البيت،
فالنقاءُ يتكسَّرُ على جسدي.


■ ■ ■


تملأُ الذاكرةُ ثقوبَها، كما تملأُ العصافيرُ السماء.
هكذا فيما أتأمَّل، عدتُ إلى نظرة أُمِّي المنكسرة، وإلى كلامها العذب.
كانتِ الريحُ تعصفُ بالملابس المنشورة في الفناء، والدّخان الأسود يعبقُ في شجرة الدرّاق المنزليَّة.
وحدَها الكلمة تسترجعُ الهدوء،
هناك حيثُ الجوهرُ يصقلُ بريقَه.


■ ■ ■


يقظةُ الوقت

بينَ السنونو والشفق
بينَ ظلٍّ وآخر
حتّى بينَ الأظافرِ المتآكلة،
يسافرُ الوقتُ.
يمرُّ في عرباتٍ
يمضي قبَّعةً للريح
يحيّي المناديلَ ثمَّ
ينزلُ عندَ المحطَّة.
يقظٌ هو الوقت
يُطفئُ شمعةَ الميت
يدقُّ في الدّهاليز،
ولأنَّه ينبضُ حياةً،
ينفذُ سريعاً إلى المأدبة.
وحينما يفتحُ صدرَه على الماء
حينما يُسلّم ريشَه للتيَّار،
يكونُ الوقتُ هناك
في جفون طائرِ الغاق،
بينَ الأخاديدِ والغياب،
في رائحةِ الملح،
وفي الانحداراتِ العميقة.


■ ■ ■


كم آلمنا
أن نعرفَ أنَّ فلكنا
عادَ
جذراً بينَ حجارةٍ،
أوراقاً شرَّدَها الشتاء.


■ ■ ■


يسكبُ الغروبُ
كلماتِه المُتلعثمة
في عكَّاز الأعمى:
قوديه، أيَّتُها العصا،
حيثُ لا وجه له.


■ ■ ■


ظلمة

يا ظُلمةً في بحري،
يا ظُلمةً أسكنُها
يا بحري،
لا يقينَ يحضنُ أُفقي
ولا نورسَ يأتي من بعيد.
يا ظُلمةً
لا أرى إلّا خطواتِ موتٍ قريب.


■ ■ ■


كُنْ ضَوءاً يُنيرُ الظلام
شمساً تخترقُ الجُروح
ضباباً يُغيّر مصيرَ الأحلام.
كُنْ أثرَ منارة،
نورساً عطشانَ
يبتعدُ كلَّما اقتربَ موعدُ المطر.


■ ■ ■


تعالَ،
دعني أقبّل عينيك، هناك حيثُ يسكبُ الفجرُ ضبابَه على الأرض. اقرأ معي صفحاتِ تاريخٍ لم يُروَ، أثرَ خطواتٍ على الثلج، أيادٍ حنانٍ تتلاشى مع الوقت، اقرأ معي لغتك الرمليَّة التي تتلاشى في كثبان.
يا عُزلة، تنبَّئي بمصيري!
يا هياكلَ السمك، انخري صمتي!


■ ■ ■


عنِ الأصولِ
يحدِّثنا هذا الضّوءُ الضّائعُ
في قلب ماءٍ قراح.
أسمعُ ولا أسمع
أدخل وأخرج في صفاء البحر
المتمدِّد على عرش الصمت،
أو جُرْف الليل.
وكلُّ شيءٍ يدنو، يقترب،
ظلُّ قمرٍ صيفيٍّ
وتدويم طير في السماء.
ولا شيء غير هذا الواقع
الذي نرصده بحيواتنا.


■ ■ ■


بعد موتي
لن يبقى شيءٌ،
ولا حتى ذاكرة.
وحيدةً سأدفَنُ،
وسأتناثرُ كظلٍّ في
العمق.
حنين إِوزٍّ
لحفرة سماء فسيحة،
وخُطى تمساحٍ بطيء.
قلتُ العطش، وصار الشاطئ فضّة
قلتُ الحقول، واشتعل الزيتون.


■ ■ ■


فاصل

لكلِّ ألمٍ وقتٌ. قلتُ سأتبعُ أثرَ الكواكب التي لا تقول إلّا الحقيقة، سأتبعُ الإشارات المضيئة التي يجهلها الوقت وتطلعُ من شقوق الانهيارات الغامضة. أين اليد القادرة على معانقة الشجر دون أن تخاف الزمن؟ المِسْني، خذني إليكّ، خذ ذراعي كوردة تكاد أن تذبل.
الرجال رجال فحسب، أمّا أنت، يا كأس زهرةٍ جميلة، تعيش في إمبراطورية يتمزّق فيها حجاب الملائكة.
أخدعةٌ هو هذا القدر؟ أم أنّ الضوء يعطف على قلوب الفقراء عندما يتنزّه أمامهم على التلّ بخطى عمياء؟ هل سينبت زهر الأقحوان أم سيخلد؟
دائماً كنت شجرةً أو عشت كالشجر ساعات الفصول الدائمة، اختبرتُ عطشها، ارتجفتُ أمام العواصف، وبقوة عزمها، عانقتُ الرفض.
رافقْني، كُنْ مرشدي في الرحمة، قرّبني من تلك الوردة التي تتحول إلى نبيذ حلو في فمك. حلّقْ عالياً، يا طائري، فوق التلّة التي تطلّ منها على جذوري. ألم تنتبه إلى عينيك وهي تتكلّم لغة الشجر؟ اقترب، خذ جسدي، خذني إليك، اغمرني في حنانك عندما أتحوّل إلى شجرة آكاسيا.
أقمتُ في غيابك كالفراشة، ورأيتُ الشوكَ ينزف نسغاً أزرقَ. رأيتُكَ تصل في الحلم، وكان الريش يطفو ويزرع الفرح عند أبواب الفناء الخضراء.
كطائرٍ تصل بين ثقوب الحرير
تنثر عطرك في كل مكان
وتترك آثارك البنفسجية على أوراق الشجر.
وصلتَ من طريق غير مُنتظر،
منظّفاً دمي الخفيف من جراحه.


■ ■ ■


أشبقُ كلماتي
لأنني لا أستطيع
أن أشبقَ جسدي.
أملأ كلماتي بالألوان
وبالفاكهة،
عند الانفجار.
أشبقُ كلَّ ما ألمس.
لديَّ رغبةٌ جارفة
وجسدي الآن ماءٌ يتحدّر من شهواتي.


■ ■ ■


يغلق الليل يقينَه الغامض
بينما يحضّر أموات الحرب وليمة
مذابحهم الحجرية.
تتدفق الفيالق احتفاءً بأوامر الوحوش
وتتحوّل الأيام، كما الحب،
إلى دمٍ مهدور.
الحياة الآن فراغٌ معتم.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون