في عام 1900، بدأ الروائي والناقد الروسي ديمتري ميريجكوفسكي (1866 1941) نشر سلسلة مقالات في مجلة "مير إيسكوستفا" يقارن بين تجربتَي ليو تولستوي وفيودور دوستويفسكي، وصدرت لاحقاً في دراسة اعتُبرت الأكثر دقة وتفصيلاً تتناول العديد من القضايا الأساسية في أدبهما، مثل الإيمان وحضور الجسد والصراع الاجتماعي.
تستند المقالات إلى رؤية تفترض وجود مبدأين متعارضين في الأدب الروسي، هما: الحقيقة الإلهية والحقيقة الإنسانية، حيث رأى أن تولستوي يمثّل المبدأ الأرضي والبشري وأن أسلوبه هو انتقال "من المرئي إلى غير المرئي، من الخارجي إلى الداخلي، من المادي إلى الروحاني، بينما دوستويفسكي هو حامل المبدأ الروحي والحقيقة الإلهية، ويأتي أدبه من الداخل إلى الخارج، ومن الروحي إلى المادي، وكانت صوره جامدة، لكنها تأسر خيال القارئ بفضل محتواها الروحي.
"تولستوي ودوستويفسكي.. الحياة والإبداع" عنوان النسخة العربية من كتاب ميريجكوفسكي الصادرة حديثاً عن "دار المأمون" في بغداد، بترجمة تحسين رزاق عزيز، وتكشف فصوله مواطن التضادّ بين الكاتبين سواء على صعيد المضمون أو البنية الفنية.
تشير مقدمة المترجم إلى أن الاتجاهين لدى صاحب رواية "الحرب والسلام" وصاحب "الجريمة والعقاب" مثّلا نزوعاً نحو الحداثة ومواكبة الأساليب الثقافية المتنوعة في أدب أوروبا الغربية، وكذلك مثّلا النزعة السلافية التي كُرست للحفاظ على التقاليد القيصرية الموروثة، وانعكس هذا على مواقف مختلفة لدى كليهما.
وتوضح أنه رغم أن بعض المعلومات التي يقدمها الكتاب تبدو مطروقة في كثير من الأدبيات الروسية والغربية إلا أنها وُضعت في قالب شيق من شأنه أن يلقي الضوء على تفاصيل تجعل النقاد يعيدون النظر في كثير من المسلمات لأدب هذين الكاتبين.
ويرى المؤلّف أن تجربة تولستوي لا تنضب، كما لو أنه عاش مئات الأرواح في أجساد الناس والحيوانات الأخرى، ويعود الفضل في هذه" التجربة العاطفية" العظيمة إلى امتلاكه قدرة غير عادية على تصوير "ذلك الجزء من الجسد الذي يميل إلى الروح، وهذا الجزء من الروح الذي يميل نحو الجسد - تلك المنطقة الغامضة حيث يتصارع الإله والوحش معاً، بينما نظر إلى أن طفولة دوستويفسكي إلى جانب المجرمين الذين اشتهروا في الحيّ الفقير الذي نشأ فيه لم تغب ملامحهم عن العديد من أبطال رواياته، وكذلك إحساسه باليتم، ونوبات الصراع التي كانت تنتابه.