"الفلسفة في الفنون": خمس مداخلات بحثية

19 مايو 2021
صبا عناب/ الأردن
+ الخط -

تواصلت اليوم الأربعاء أعمال النسخة الرابعة والعشرين من المؤتمر الدولي الذي تنظّمه "جامعة فيلادلفيا" الأردنية تحت عنوان "الفلسفة في الأدب والفنون والعلوم الإنسانية"، حيث عُقدت، بعد الظهر، الجلسة الرابعة بمشاركة خمس باحثين تناولوا فلسفة الجمال والفلسفة في الفنون.

في ورقتها "الاستيطيقا: التقاء الفلسفي بالفني"، ترى الباحثة التونسية ثريا بن مسمية أن "تنظيرات هيغل في مجال تاريخ الجماليات تكمن جدّتها في كونها قد أخرجت الفن من مجال المتعة الخالصة، وجعلته موضوع تأمل، حتى وإن كانت المتعة حاصلة من حواصل الجمال في العمل الفني، فإنها تتنزل في المرتبة الأخيرة، بعد جميع المضامين الروحية الرمزية الأخرى".

وتشير إلى "تاريخ الفن في السياق الهيغلي لا يحمل تاريخ ذاته فحسب، بقدر ما يحمل تاريخ الوعي الإنساني في قدرته على التعبير عن الأفكار العظيمة وتمثيلها على نحوٍ يناسبها. فبين الفن الرمزي والفن الكلاسيكي والفن الرومنطيقي رحلات طويلة قطعها الوعي في الاغتراب حيناً، وفي العودة إلى ذاته أحياناً أخرى، وفي كلّ مرحلة من هذه المراحل الكبرى كان التاريخ يسجّل لنا البقايا العينية لرحلة الوعي، مقتفياً أثر الروح في الواقع".

أصبح الفن المعاصر يقترب أكثر فأكثر من الفكرة والمعنى، ليخرج عن تقليد الصورة

كما توضّح أنّه، بناءً على ذلك، سعى الرسم كفنٍّ معاصر إلى "النفاذ إلى صلب الحياة الاجتماعية الثقافية وحتى السياسية، وأصبح يقترب أكثر فأكثر من الفكرة والمعنى، ليخرج عن تقليد الصورة، وغدا الفنان الرسّام اليوم مفكّراً قبل أن يكون رسّاماً، والمعيار الاستيطيقي أصبح ذا مقاييس أيديولوجية أكثر جمالية".

أمّا الباحثة العُمانية ندى الرويشدية، فتحدّثت في ورقتها "الفن المفاهيمي: جدلية العلاقة بين المفهوم والمضمون" عن الفنون المعاصرة التي جاءت لتعكس الواقع والمحيط في مجتمعات ذات الثقافات الاجتماعية والمعرفية والاقتصادية والسياسية والدينية المختلفة، ومنها الفنّ المفاهيمي الذي "تخطّى جميع القواعد التقليدية المعتادة عن اللوحة الفنية التصويرية، ليعبر حاجز الجمال، والعمل الفنّي التقليدي بشكله الطبيعي، متحرّراً من القيود والضوابط والتقاليد المتعارف عليها، وخروجه الكلّي عن العلاقات التقليدية في العمل الفني بين الفكرة والتعبير".

وناقشت أيضاً الأثر الذي تنقله اتّجاهات الفنّ المفاهيمي على المتلقّي، وعلاقة المتلقّي بهذه الاتّجاهات، من حيث طريقة إدراكه لها، وهل يدركها بطريقة واعية ومفهومة أم أنّه يتقبّلها بطريقة ساذجة بعيداً عن إدراك مغزاها ومعناها. وأضافت: "يخسر المتلقّي في رفضه ما يطرحه الفن المعاصر من قضايا وأفكار، كمّاً كبيراً من الثقافة البصرية والإدراك الجمالي، الذي قد لا يعي طبيعته وقيمته، بالتالي يفوّت على نفسه حقبه زمنية، قد تكون لها إيجابياتها التي عليه أن يستفيد منها".

خرج الفن المفاهيمي كلّياً عن العلاقات التقليدية في العمل الفني بين الفكرة والتعبير

"نحو نظرية فن عربية معاصرة" عنوان ورقة الباحث الأردني خالد الحمزة التي يطرح من خلالها تساؤلاتٍ مثل: ما طبيعة النماذج التأسيسية لعلم نظرية الفن في الغرب؟ وما هي التطورات التي لحقت به دخولاً في القرن العشرين؟ وما هي أهمّية نظرية الفنّ، أو الثقل الذي تحظى به في التعامل مع الأعمال الفنية؟ وما الذي يمكن لنا الاستفادة منه في التأسيس لنظرية فنّ في العالم العربي فيما يخصّ المناهج والأدوات والمحتوى؟

ويعتقد أن دراسة منجز الفنّانين العرب المعاصرين يستدعي قراءة لنظرية الفن لدى الفنّان من مناحٍ عديدة، إذ تنم عن فهمه للفن، ويشمل ذلك فن العصور السابقة على اختلاف أزمانها وأماكن إنتاجها، والفن المعاصر له في ثقافته وفي الثقافات الأخرى، منبّهاً إلى أنّه "يدخل فيها كذلك موقفه من الفن الذي أنتجه في مراحل سابقة وفي المرحلة الحالية، وتفتح نظريّته أيضاً باباً على العملية الفنية في كلّ مراحلها من تحضير وفعل وتقييم ذاتي، ويمكن أن توضّح نظريته كذلك صفات المتلقي المفترض، أي الذي في ذهن الفنان أثناء العملية الإبداعية".

بدوره، يتطرّق الباحث التونسي علي الحبيب الفريوي في ورقته "الفلسفة الفينومينولوجية والانعطاف إلى أنطولوجيا الفن: التقاطعات والرهانات في فلسفة ميرلو-بونتي"  إلى طروحات الفيلسوف الفرنسي (1908 – 1961) الذي يرى أنه "كرّس تجربته لرفع الالتباس عن كلّ تفكير يطرح سؤال الوجود في العالم، برؤيةٍ تتجاوز التأصيل الميتافيزيقي، ووجد في تجربة الرسّام بول سيزان ما يحقّق غرضَه التأويلي، ويحرّر الفينومينولوجيا من إرهاصات الفلسفة المحلّقة، ومن تلك النتائج الكارثية التي حقّقها العلم"

الصمت في الطبيعة الذي كان لغزاً عند سيزان، وجبت كتابته بلغة التشكيل

ويبيّن أن من أهمّ نتائج التدخّل الفينومينولوجي على فن التصوير هي العودة إلى الطبيعة ومنح الصمت مستطاع التعبير عن أشياء العالم وهي في مهدها، وكيف أن الصمت في الطبيعة، الذي كان لغزاً عند سيزان، وجبت كتابته بلغة التشكيل والإنصات إليه وهو يقول وجودَنا ويكشف عن حقيقتنا، موضحاً أن ميرلو ـ بونتي "عثر في أعمال سيزان العمق الفينومينولوجي للتفكير في الوجود، تفكيرا متجسداً يجمع الجسد والعالم في قماشة لحميّة، نسجها الرسّام من خامات الطبيعة".

ويقف الباحث الأردني مروان العلان في ورقته "قراءة اللوحة التشكيلية بين سيميائية الصورة ومقروئية الخطاب" عند مسائل ما تزال إشكالية في البحث، بدءاً من مفاهيم الجمالية مروراً بدور الهرمنيوطيقا في إدراك وفهم دلالات الأجزاء المكوّنه للعمل الفني، انعطافا نحو السيميائية لربط الرموز الحروفية المعتمدة في اللغة بتحويراتها في اللوحة، ومحاولة فهم النوازع الكامنة خلف تلك التحويرات في ذات الفنان ووعيه، وصولاً إلى ما يمكن أن تقدّمه تلك اللوحة من دور في الخطاب المرئي المتداول بين الناس.

ويطرح أسئلة تتعلّق بتطوّر الخطّ في الفن التشكيلي العربي، وهي: كيف يمكن للغة المسموعة ومكوّناتها المسموعة أن تتشكّل بصورتها المرئية عبر رموزها لتصبح عملاً فنياً؟ وهل يمكن اعتبار الحروف العربية رموزاً سيميائية يمكن الانتقال بها إلى مستوى جمالي يعطيها سمة جمالية، وكيف يتحقق ذلك؟ وهل يمكن للوحة الحروفية أن تكون أداةً لتكريس هوية مرتبطة بها؟

ويحلّل العلان أنماط اللوحة الحروفية العربية التي اعتمدت الخطّ الكلاسيكي منها، وتلك التي مزجت بين الكلاسيكية ورؤى بصرية معاصرة، والحروفيين الذي مارسوا أساليب حديثة، إلى جانب مجموعة لجأت إلى التجريد تماماً وإلغاء الظهور المباشر لشكل الحرف ومقروئيته.
 

المساهمون