"الفلسفة الإغريقية": محاولة رفع مظلمة

16 مايو 2021
لوحة "موت سقراط" لـ جان لوي دافيد
+ الخط -

القولُ بأن اليونان القديمة هي مهد الفلسفة متداولٌ ومعروف في الثقافة العربية، لكن كثيراً ما تختزل الفلسفة اليونانية في مثلث سقراط وأفلاطون وأرسطو، وهو ما يحجب غابة كاملة من المعارف والأفكار ظلّت بعيدة عن تغذية الثقافة العربية بسبب هذا الاختزال.

مؤخراً، صدر كتاب "الفلسفة الإغريقيّة: من السفسطائيّين إلى السقراطيّين" ضمن سلسلة "صوفيا" التي أطلقتها "الدار التونسية للكتاب"، وهو عمل حاول فيه الباحث التونسي مهدي بن الحاج مبروك (1982) أن يقدّم مشهداً أوسع للفلسفة اليونانية.

ينقسم الكتاب إلى جزأين رئيسيّين؛ قسم أوّل مخصّص للسفسطائيّين، وتحديداً لسفسطائيّي الفترة الكلاسيكيّة، أي القرن الخامس قبل الميلاد، وقسم ثان للسقراطيّين وتحديداً للمدارس السقراطيّة "الصغرى" (القونيقيّين و الميغاريّين والقورينائيّين). 

يقول المؤلّف في حديث إلى "العربي الجديد" إن لهذا العمل مهمّتين رئيسيّتين يأمل أن يبلغهما، "أوّلاً، المساهمة في التّعريف بهذه المدارس المُغفلة عن مباحث الدراسات الفلسفيّة والإغريقيّة؛ و ثانياً الإسهام - وإن بقسط يسير - في رفع "مظلمة" تاريخيّة و فلسفيّة بشأن هذه المدارس وأهمّ أعلامها. لأسباب مختلفة نعدّدها في الكتاب".

يرى بن الحاج مبروك أن تاريخ الفلسفة "لم يُبقِ إلاّ على صورة كاريكاتوريّة عن هؤلاء الفلاسفة، حيث أُظهروا كدجّالين ومتحيّلين ينتحلون صفة الفلسفة، والحال أنّهم من أهمّ المفكّرين والفلاسفة الذين أنتجتهم اليونان ولولاهم لما كان للفلسفة أن تكون". 

سألنا الباحث التونسي: أي مشروعية للتأليف بالعربية عن الفلسفة الإغريقية؟ فأجاب: "أوّلاً، لأنّ الفلسفة الإغريقيّة ليست حكراً على أيّة لغة ولا على أيّة ثقافة. إنّما هي إرث إنسانيّ وكونيّ. وثانياً، لأنّ الكتابة باللغة العربيّة تُتيح إمكانيّة إطْلاع أكبر عدد ممكن من القرّاء العرب على فلاسفة اليونان وعلى وأفكارهم. وثالثاً، لأنّ الجامعات والكلّيّات العربيّة - ولا سيّما التونسيّة التي أعرفها جيّداً - تكاد تكون خالية من الكتابات الأكاديميّة المتخصّصة في الفلسفة الإغريقيّة". 

يضيف بن الحاج مبروك قائلاً: "تُواصل أقسام الفلسفة عندنا تأمين دروس حول أفلاطون وأرسطو، يُعهد بها - لندرة المتخصّصين - إلى المشتغلين على الفترات الوسيطة أو الحديثة والمعاصرة. تبقى محاولة الرتق هذه عاجزةً عن توفير التّكوين الجدّي المأمول".

وعن حركة التأليف العربية حول الفلسفة القديمة، يشير الباحث التونسي إلى أنه يجدها "للأسف بطيئة جدّاً، حتّى لا أقول أنّها متعطّلة تماماً". يقول: "لا أدّعي طبعاً أنّي على اطّلاع تام بجميع الإصدارات العربيّة، لكن أعلم عموماً بأنّ الإنتاجات المتخصّصة في الفلسفة القديمة لا تفي بالحاجة وأنّ القيمة العلميّة لما يُنشر لا تزال دون المستوى المأمول". 

هذا التعطّل التأليفي حول الفلسفة القديمة يُحيلنا إلى سؤال حول منظومة النشر بالمؤلّفات الفلسفية. يرى بن الحاج مبروك أنه "في غياب دور نشر متخصّصة في إصدار البحوث العلميّة بعامّة، والفلسفيّة بخاصّة، كان على وزارات التعليم العالي والبحث العلمي في البلدان العربيّة أن تتحمّل مسؤوليّتها في توفير دور نشر جامعيّة جديّة،  بالعدد الكافي، لأجل تيسير عمليّة نشر البحوث الأكاديميّة. أمّا والحال على ما هي عليه الآن، يُضطرّ الباحث إلى التّعامل بعسر شديد مع ناشرين-تجّار، أولويّاتهم رِبحيّة بالأساس". 

الفلسفة الإغريقية

مهدي بن الحاج مبروك باحثٌ تونسي في الفلسفة من مواليد 1982. يدرّس الفلسفة في "جامعة صفاقس"، كما أنه باحث زائر بـ"مركز جون بيبين" في فرنسا. قبل "الفلسفة الإغريقيّة: من السفسطائيّين إلى السقراطيّين"، صدر له كتاب بالفرنسية بعنوان "موالد فلسفة أفلاطون" (2016)، وتصدر له قريباً ترجمة كتاب ألكسندر كويري "مقدّمة لقراءة أفلاطون".

المساهمون