في عام 2019، ظهر كتاب "الشعبوية والسياسة العالمية: سبر الأبعاد الدولية والعابرة للحدود" الذي تضمّن مجموعة دراسات حررها فرانك ستنغل وديفيد ماكدونالد وديرك نابرز، وسعت إلى تحديد واحدة من الظواهر التي لا تزال تشوبها جملة التباسات، كما لا يمكن تحديد تأثيرها الحقيقي حول العالم ومستقبلها.
ضمن "سلسلة ترجمان"، صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بترجمة الباحث الجزائري محمد حمشي، ويدعو الكتاب إلى الاهتمام أكثر بالكيفية التي تؤثر بها الشعبوية في السياسة العالمية، مثل السياسة الخارجية، أو الصراع الدولي، أو التعاون الدولي، أو النظام العالمي.
وينطلق المساهمون في الكتاب من الحجة التالية: بما أن للشعبوية عواقبها على السياسة الداخلية، فمن المنطقي افتراضُ امتدادها إلى السياسة الدولية، ولا سيما أن الحدود بينهما أصبحت غير واضحة مع صعود النزعات القومية والحمائية والشعبوية المعادية للتعاون الدولي وللمؤسسات الدولية منذ بداية عام 2020، حين كان يفترض بالعالم التعاون في مواجهة جائحة كورونا.
كما يسعون إلى ردم الهوة بين دراسات الشعبوية وحقل العلاقات الدولية من خلال التركيز على جانبَيْن أساسيَيْن، هما: تسييس السلطة الدولية وتعبئة الناخبين ضد قضايا دولية، مثل التعاون والاندماج الدوليَيْن والمؤسسات والترتيبات ما فوق الوطنية، والتفاعل العابر للحدود بين الشعبويين، حركاتٍ وأحزابًا وزعاماتٍ فردية.
يقدم القسم الأول من الكتاب المقاربات النظرية لدراسة الشعبوية والسياسة العالمية. فيستكشف يان زيمان في فصله الافتتاحي إمكانيات مشروعٍ شعبوي عالمي؛ إذ في حين يُنظَر إلى الشعبوية بصفة عامة على أنها متشابكة مع القومية، يتساءل زيمان عما إذا كان مفهوم الأمة يُعَدُّ جزءًا ضروريًا من طرائق التعبير في الشعبوية.
يسعى مؤلّفو الكتاب إلى ردم الهوة بين دراسات الشعبوية وحقل العلاقات الدولية
وتحلل ماريا إسبيرانزا كاسولو دور الزعامة الشعبوية، وتحاجّ بأن ثمة العديد من النصوص الخطابية المتاحة اجتماعيًّا التي يمكن أن تتوسط المجال بين المستويين الاجتماعي والفردي؛ فالقادة الشعبويون يقدمون أنفسهم بوصفهم رجالًا عسكريين وطنيين، أو زعماء حركات اجتماعية، أو رجال أعمال غير أنانيين.
ويتناول بريشوس شاترجي دودي وريس كريلي العلاقة بين الشعبوية ووسائل الإعلام العالمية، ويبتكران نموذجًا بديلًا للنظر إلى الشعبوية بوصفها "نظام اتصال عابرًا للأوطان"، بحيث يطبقانه، بعد تطويره، على ثلاث حالات إمبريقية، هي: الوسائط القديمة، والحركات السياسية المعارضة، والبث الدولي.
ينقل القسم الثاني التركيز إلى السياسات الخارجية الشعبوية، مع جملة من دراسات الحالة المقارنة، إضافة إلى مجموعة من التأملات النظرية، حيث يقدّم ديرك نابرز وفرانك ستنغل نظرة عامة إلى سياسة ترامب الخارجية، ومفهوم الممارسات المترسبة بوصفه مفهومًا نظريًّا في مجال الخطاب، ويستعملان في ذلك خطابات الحملة الانتخابية والبيانات المتعلقة بالسياسة الخارجية للرئيس الأميركي الخامس والأربعين أمثلةً توضيحية.
ويضيء براين بود على الكيفية التي تُبنى بها في كندا المظاهر المعاصرة للشعبوية بصورة مشتركة، على الرغم من ضروب من الأداء المعياري ذي الطابع الجندري، كما يقدم غرانت بورير دراسة منهجية للشعبوية والسياسات الخارجية لبلدان أميركا اللاتينية.
ويركز دانييل فاينر بدوره على قضايا أميركا اللاتينية، ليبحث في الأنماط المحتملة لصوغ السياسات الخارجية وتنفيذها بين الأنظمة الشعبوية خلال الفترات المعروفة بـ"الشعبوية الكلاسيكية" (بين ثلاثينيات القرن العشرين وخمسينياته)، و"الشعبوية النيوليبرالية الجديدة" (بين ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته)، و"الشعبوية التقدمية الجديدة" (منذ بداية القرن الحادي والعشرين إلى الآن).
ثم يقدم ديفيد ماكدونالد نقدًا للمقارنات المضلِّلة التي تُعقَد غالبًا بين الشعبوية والتعددية. ويستخدم حالة الحزب السياسي نيوزيلندا ليثبت أن الأحزاب الناجحة انتخابيًّا والأحزاب ذات الصلة بها غالبًا ما تقارب الشعبوية بوصفها أسلوبًا يمكن إما نشرُه وإما التقليل من شأنه بحسب ما يقتضيه الوضع.
ويستند ثورستن فويتشفسكي إلى إطار نظري ما بعد بنيوي لتحليل الخطاب من أجل فهم الكيفية التي يستخدم بها الحزب الهندوسي القومي في الهند السياسة الخارجية موقعًا لبناء تحالف انتخابي شعبوي والمحافظة عليه.
يركز القسم الثالث على الأبعاد العالمية والدولية لصعود الشعبوية، فتقيّم مساهمة روبرت باتمان كيف أثبت النظام الليبرالي أنه أكثر مرونة في مواجهة ضغوط القوى القومية والشعبوية مما تصوَّر كثير من المراقبين.
وعبر مقاربة مختلفة إلى حدّ ما، يفحص شين ماركوفيتز صعود الشعبوية باعتبارها ظاهرة سوسيومادية. ويوظف في ذلك استبصارات من خطاب الكيانات المعدَّلة وراثيًا في الاتحاد الأوروبي. ويستكشف الكيفيات التي تنشأ من خلالها الخطابات الشعبوية بشأن هذه القضية، لا عبر البلاغة التي تسبغ سياق الانتخابات الإقليمية والوطنية فحسب، بل أيضًا عبر مجموعة من الكيانات والقوى المادية والطبيعية والتكنولوجية.
أخيرًا، تبحث إيمي سكونتْشني في العلاقة بين الشعبوية والتجارة العالمية، عبر تمحيص النقاشات الدائرة حول الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP والتجارة الأميركية مع الصين والمكسيك. وتدرس دور العواطف في السرديات الشعبوية المعادية للتجارة لأجل تطوير فهمٍ للأسئلة التالية: لماذا تكون الشعبوية قوية عاطفيًا؟ وكيف؟ وما الذي يدفع هذه السردية بالذات إلى الاندماج مع النزعة الحمائية المعادية للتجارة؟
وفي الخاتمة، يؤلِّف ستنغل وماكدونالد ونابرز بين الحجج المختلفة التي يضمّها الكتاب بين دفتيه، ويقدمون أجندة أولية خاصة بالبحث المستقبلي في مجال الشعبوية والسياسة العالمية.