صدر قديماً: "النبوغ المغربي" لعبدالله كنّون

29 يوليو 2017
عبد الله كنون
+ الخط -
تحظى بعض الكتب منذ صدورها بتلقٍّ استثنائي، لارتباطها بحدث آنيّ في الغالب، وبعضٌ قليلٌ من هذا البعض يُحافظ على قيمته في حِلٍّ من لحظته التاريخية، فيستمر مع مرور الوقت مُثبتاً قيمته المعرفية أو الجمالية أو العلمية أو غيرها. ولعلّ كتاب "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، للأديب المغربي عبد الله كَنُّون (فاس، 1908- طنجة، 1989)، الذي نُشِر في مستهل عام 1934، إبّان المرحلة الاستعمارية، من أبرزها في تاريخ الأدب المغربي والعربي.

لقد أدرك الصحافي والكاتب سعيد حجّي قيمة الكتاب، والأثر الذي يُمكن أن يُحدِثه في الفكر والثقافة، وعبّر عن ذلك في جريدة "المغرب" بقوله: "حادث خطير في تاريخ المغرب، ظهور كتاب "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، أول كتاب من نوعه، وأوفاه في موضوعه". وأكَّد على ذلك مُقَدّم طبعته الأولى شكيب أرسلان، الذي قرَّظه بقوله "إن من لم يقرأه فليس على طائل من تاريخ المغرب العلمي والأدبي والسياسي"، كما نوَّه به العالم الإيطالي جيوفاني بيانكي، الذي لمّح إلى "إبرازه للمساهمة التي أبداها المغرب في الآداب العربية، تلك المساهمة التي أُهملت حتى اليوم، ولم تُقدَّر كما ينبغي".

وانتبه الاستعمار الفرنسي - وهو الذي كان له أثر على ثقافة المغرب، بوقوفه عند تراثه المعماري والشفهي والفني، وتحقيقه لكثير من كتبه ودراستها - إلى خطر النبوغ المغربي على مشروعه، وفهم سريعاً أن المؤلَّف رد بالكتابة على الهيمنة الاستعمارية، لما فيه من تهديد لمشاريعه، ومن صدوره عن وعي مناقض للرؤية الاستشراقية خادمة الاستعمار، فأصدر قراراً عسكرياً في جريدة السعادة لسان حاله؛ عدد 4592 "يقضي بمنع الكتاب المعنون "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، الصادر باللغة العربية في تطوان من الدخول إلى المنطقة الفرنسية بالمغرب الأقصى، وكذلك بيعه وعرضه وتوزيعه، ومن خالف ذلك يُعاقب بمقتضى القوانين المقرَّرة".

بينما اتخذ الاستعمار الإسباني موقفاً مخالفاً لنظيره الفرنسي؛ فقد سمح للكتاب أنْ يُطبع في منطقة نفوذه، شمال المغرب، بأن اقتنى منه نسخاً عديدة لمكتباته ومؤسساته، وغضّ الطرف عن الحملة العنيفة التي شنَّتها الصحف - وقتها بمنطقة الحماية الإسبانية - على التضييق على الحريات بالمنطقة الفرنسية، بل إن الكِتاب حظي بترجمة إلى الإسبانية أنجزَها خِيرُونِيمُو كَارِّيُّو أُوردُونْيِيث ومحمد تاج الدين بوزيد، وأعقْبَها احتفاءٌ بالكتاب في الصحافة الأدبية الإسبانية من جهة، ومن جهة أخرى منح مؤلِّفه الدكتوراه الفخريَّةَ، من جامعة مدريد يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1939، مع دعوة الكاتب لإقامة علمية في إسبانيا مدتها شهر، تتكفّل بها وزارة المعارف الإسبانية.

من جهته، كان كنون على وعي بأهمية كتابه؛ وبأن طموحه -وفق قوله- أن "أرفع الضيم عن بلادي، وأُثبت مركزها في حظيرة العلم والأدب، على ما هو مركزها في السياسة والحرب أو أعظم"، وفي الوقت ذاته، أن يلفت انتباه الإخوة العرب في المشرق إلى الشخصية المغربية في شقيها العلمي والأدبي، هم الذين كانت تحكمهم رؤية قالها قديماً الصاحب بن عباد، في حقّ كتاب "العِقد الفريد" لابن عبد ربه "بضاعتنا رُدَّت إلينا"، فتوارثوها عنه، فعُدَّ الحُكمُ من قبل كثيرين فصلاً بين المشرق العربي ومغربه، بينما هو تأكيد صريح على الوحدة بين الاثنين من خلال "نا" الجمعية، بل إن المشرق نفسه مشارق تتعدّد بتعدد بلدانه العربية، وهو ما فطن له الأديب كنون بقوله:

"لمَّا أّلَّفت هذا الكتاب، لم أكن أهدف به إلى تمييز أدب المغرب بميزة ليست في الأدب العربي العام، ولا إلى تخصيصه ببحث مستقل يجعله في نظر المغاربة أو غيرهم، كتاباً خاصاً بأدب قطر من أقطار العروبة على حِدته، وإنما كان المقصود الأهم من تأليفه، هو بيانُ اللّبنة التي وضعها المغرب في صرح الأدب العربي، الذي تعاونت على بنائه أقطار العروبة كلها، وذكر الأدباء المغاربة الذين لم يقصّروا عن إخوانهم من المشارقة ومغاربة بقية أقطار المغرب العربي، في العمل على ازدهار الأدبيات العربية على العموم".

دلالات
المساهمون