04 نوفمبر 2024
لحظة السيادة الوطنية
"المدينة التي لا توجد فيها كلاب حراسة يحكمها ابن آوى" .. مثل سومري.
كيف لنا أن نوازن بين السيادة الوطنية والقضايا الأساسية لحقوق الإنسان في دولة ما عندما يكون الاثنان في حالة تضارب مع بعضهما؟ لقد بدأ هذا الجدل بُعيد الاحتجاجات الشعبية في الجمهوريات العربية التي يحكمها العسكر، ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا.
عندما أتعرض للتفتيش مثلاً على الحواجز الأمنية أتساءل أحياناً عما قد يحدث لو كان بالإمكان قراءة الأفكار، لا لأن أفكاري تدور حول العصيان والتمرد والثورة المسلحة، بل لأنه تخطر ببالي شتائم غير قانونية عندما أشاهد عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفاز. واختلاف الرأي، بدرجاته المتفاوتة، مثير للجدل، ولا يكسب صاحبه شعبية واسعة. هذا يعني أن منظومة القيم التي تتحكم برؤيتنا للواقع الاجتماعي كثيراً ما تمنعنا من رؤية حقيقة ما يجري فيه وتجعل من الصعب التفاهم حول طبيعة التحولات التي نشاهدها معاً.
أما الخلاف في الرأي، وكون أنه سبب الإزعاج، فهو أحياناً يحمل سمات الاستقامة والأمانة. وبجداله مع الرأي السائد، لا يكون الخلاف في مصلحة صاحبه، والذي قد يقال عنه إنه غير وطني، ومعاد للدولة، وعدواني، وإرهابي إذا اقتضى الأمر، وغريب الأطوار، ومجنون غير وفي وغير منطقي، أو مهووس ومتكبر، أو عاطفي ومتهور. وكثيراً ما يستمتع الآخرون بمهاجمة الأهداف الثابتة، وإذا اتخذتْ موقفاً يتعارض مع موقف الأغلبية، ستصبح ذلك الهدف. ففي المظاهرات الجريئة والغريبة، تُكسر الرؤوس ويُطلق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين -مع وجود مريب لرجال الأمن والجيش وجمهور غير مشارك وساخر من المتظاهرين- الذين نزلوا إلى الشارع وسالت أرواحهم على الأسفلت وهم يهتفون بحمية عالية. هل كنا نحتاج إلى هذا الكم الكبير من الفظائع حتى نتخطى حذرنا وخمولنا؟ وهل كان خوفنا من التعرض للحبس كافياً ليسكتنا؟
يمكننا التأكيد هنا أنه بعد أكثر من نصف قرن من تجربة الأنظمة العسكرية الشمولية جاء أوان التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهذه سيرورة تاريخية قليلاً ما يدرك أهل السلطة في الجمهوريات العسكرية أبعادها كافة. وأظن لا مشكلة في من يكون الحامل أو الساعي لهذا التغيير، الملايين من نساء اليمن المكللات بالسواد أم آلاف النساء السافرات في شوارع بعض المدن العربية، لأن النتيجة المرجوة واحدة: تغير شامل في مفهوم شرعية السلطة، ونسف لتلك الأبنية القانونية التي حكمت مجتمع العبودية والاستبداد. وعوام الأرياف والمدن الذين يعيشون على هامش الحياة السياسية لا يخافون من ذلك التغير الشامل الذي سينقل المجتمع العربي إلى باب الحرية الذي بكل يد مضرجة يُدق، بل يظهر الخوف جلياً عند المرعوبين من أهل الثقافة وأهل السلطة.
ويلاحظ المرء بوضوح ظاهرة مُلفتة وعسيرة على الفهم: جغرافية الاحتجاجات الشعبية التي تُطالب بالحرية والكرامة شملت المناطق الأكثر فقراً في المدن والريف، والتي كانت تتعرض لأبشع أنواع العسف وإهدار الكرامة الإنسانية على يد أجهزة أمنية متوحشة.
وأنا بالتأكيد لي آراء لن يتفق معها جيراني -ويجب أن يكون الأمر كذلك- وإلا كنا ما نزال نعيش في كهوف منحوتة في الصخر. وأنا على يقين من أن الأجيال القادمة سوف تقف مع رأي، ألا تعتقدون ذلك؟ عدد كبير منا هم مخالفون صامتون. المخالفة في الرأي مثل الخميرة التي تجعل العجين جاهزاً ليُخبز. الخلاف في الرأي جوهري.
ومع أن أغلبنا لا يرغب في الخلاف مع دوائر السلطة العسكرية الأكثر قوة، أو تحدي تلك الظلال الثقيلة السوداء التي تركتها ممارسة تلك الطغمة العسكرية على جسد المجتمع. أنا لا أثق بصدق السلطة وعدالة الرأي العام، ولكن لو استثنينا الحثالة التي تطفو على سطح المجتمع، لوجدت أن عوام الناس على المدى الطويل يغمرهم إصرار حميد وحتى بهيج، إصرار هو محرك الديمقراطية حين تعمل.
كيف لنا أن نوازن بين السيادة الوطنية والقضايا الأساسية لحقوق الإنسان في دولة ما عندما يكون الاثنان في حالة تضارب مع بعضهما؟ لقد بدأ هذا الجدل بُعيد الاحتجاجات الشعبية في الجمهوريات العربية التي يحكمها العسكر، ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا.
عندما أتعرض للتفتيش مثلاً على الحواجز الأمنية أتساءل أحياناً عما قد يحدث لو كان بالإمكان قراءة الأفكار، لا لأن أفكاري تدور حول العصيان والتمرد والثورة المسلحة، بل لأنه تخطر ببالي شتائم غير قانونية عندما أشاهد عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفاز. واختلاف الرأي، بدرجاته المتفاوتة، مثير للجدل، ولا يكسب صاحبه شعبية واسعة. هذا يعني أن منظومة القيم التي تتحكم برؤيتنا للواقع الاجتماعي كثيراً ما تمنعنا من رؤية حقيقة ما يجري فيه وتجعل من الصعب التفاهم حول طبيعة التحولات التي نشاهدها معاً.
أما الخلاف في الرأي، وكون أنه سبب الإزعاج، فهو أحياناً يحمل سمات الاستقامة والأمانة. وبجداله مع الرأي السائد، لا يكون الخلاف في مصلحة صاحبه، والذي قد يقال عنه إنه غير وطني، ومعاد للدولة، وعدواني، وإرهابي إذا اقتضى الأمر، وغريب الأطوار، ومجنون غير وفي وغير منطقي، أو مهووس ومتكبر، أو عاطفي ومتهور. وكثيراً ما يستمتع الآخرون بمهاجمة الأهداف الثابتة، وإذا اتخذتْ موقفاً يتعارض مع موقف الأغلبية، ستصبح ذلك الهدف. ففي المظاهرات الجريئة والغريبة، تُكسر الرؤوس ويُطلق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين -مع وجود مريب لرجال الأمن والجيش وجمهور غير مشارك وساخر من المتظاهرين- الذين نزلوا إلى الشارع وسالت أرواحهم على الأسفلت وهم يهتفون بحمية عالية. هل كنا نحتاج إلى هذا الكم الكبير من الفظائع حتى نتخطى حذرنا وخمولنا؟ وهل كان خوفنا من التعرض للحبس كافياً ليسكتنا؟
يمكننا التأكيد هنا أنه بعد أكثر من نصف قرن من تجربة الأنظمة العسكرية الشمولية جاء أوان التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهذه سيرورة تاريخية قليلاً ما يدرك أهل السلطة في الجمهوريات العسكرية أبعادها كافة. وأظن لا مشكلة في من يكون الحامل أو الساعي لهذا التغيير، الملايين من نساء اليمن المكللات بالسواد أم آلاف النساء السافرات في شوارع بعض المدن العربية، لأن النتيجة المرجوة واحدة: تغير شامل في مفهوم شرعية السلطة، ونسف لتلك الأبنية القانونية التي حكمت مجتمع العبودية والاستبداد. وعوام الأرياف والمدن الذين يعيشون على هامش الحياة السياسية لا يخافون من ذلك التغير الشامل الذي سينقل المجتمع العربي إلى باب الحرية الذي بكل يد مضرجة يُدق، بل يظهر الخوف جلياً عند المرعوبين من أهل الثقافة وأهل السلطة.
ويلاحظ المرء بوضوح ظاهرة مُلفتة وعسيرة على الفهم: جغرافية الاحتجاجات الشعبية التي تُطالب بالحرية والكرامة شملت المناطق الأكثر فقراً في المدن والريف، والتي كانت تتعرض لأبشع أنواع العسف وإهدار الكرامة الإنسانية على يد أجهزة أمنية متوحشة.
وأنا بالتأكيد لي آراء لن يتفق معها جيراني -ويجب أن يكون الأمر كذلك- وإلا كنا ما نزال نعيش في كهوف منحوتة في الصخر. وأنا على يقين من أن الأجيال القادمة سوف تقف مع رأي، ألا تعتقدون ذلك؟ عدد كبير منا هم مخالفون صامتون. المخالفة في الرأي مثل الخميرة التي تجعل العجين جاهزاً ليُخبز. الخلاف في الرأي جوهري.
ومع أن أغلبنا لا يرغب في الخلاف مع دوائر السلطة العسكرية الأكثر قوة، أو تحدي تلك الظلال الثقيلة السوداء التي تركتها ممارسة تلك الطغمة العسكرية على جسد المجتمع. أنا لا أثق بصدق السلطة وعدالة الرأي العام، ولكن لو استثنينا الحثالة التي تطفو على سطح المجتمع، لوجدت أن عوام الناس على المدى الطويل يغمرهم إصرار حميد وحتى بهيج، إصرار هو محرك الديمقراطية حين تعمل.