مُنع في سورية الأسد

08 مارس 2017
+ الخط -
إن كلمة "ممنوع" مرتسمة في مخيلاتنا، نحن السوريون، من يوم أن عَبَرنا أول شارع فوجدنا في إحدى زواياه عبارة: ممنوع التبول هنا يا حمار! وفي منعطف منه: ممنوع الاقتراب والتصوير، منطقة عسكرية!

صعدنا أول حافلة للركاب فوجدنا عبارات من قبيل: ممنوع مدّ الرؤوس والأيدي من النوافذ، ممنوع التكلم مع السائق، ممنوع خلع الأحذية ووضع الأقدام على المحرك. 

ثم تزاحمت الممنوعات حولنا، فهذا كتاب ممنوع لأنه يقترب بكلمات ملغومة من القيادة التاريخية الحكيمة، وهذا حزب ممنوع لأنه يرفع شعار إسقاط النظام، وهذه جريدة ممنوعة لأن فيها كلاماً قد يفهم منه إساءة للقائد التاريخي، وهذا كاتب ممنوع لأنه عميل للدول الإمبريالية، وهذا فيلم سينمائي ممنوع، لأن فيه مشاهد خليعة، ونحن في هذا القطر حريصون على عدم المساس بأخلاق شعبنا الصامد المعطاء.

وعلى الرغم من أن كبار الإعلاميين، وكبار الشخصيات السياسية الجبهوية، يقولون إنه لا يوجد لدينا شيء ممنوع في سورية، فقد كنا نفاجأ أحياناً بخبر تنشره وكالة "سانا" ينص على أن القيادة القطرية السورية قد أصدرت تعميماً إلى فروع الأمن بأنه لم يعد ثمة حاجة لأن يحصل المواطن على موافقة أمنية لأجل إقامة عرس، أو حفلة ختان، أو حفلة موسيقية، أو الحصول على وظيفة، أو الانتساب إلى نقابة مهنية. ومن الأمور التي تدعو إلى التأمل إقدام نقيب الفنانين السوريين على منع بث أغاني مطربات لبنانيات في التلفزيون السوري لأنهن لم يتخذن موقفاً واضحاً من العدو الصهيوني بعد عدوانه في سنة 2006 على مليشيا حزب الله التي يقودها الشيخ حسن نصر الله، وهذا ما زاد، بالطبع، من الطلب على هاتيك المطربات اللواتي يتوفرن بغزارة على الفضائيات الأخرى إضافة إلى اليوتيوب.

وما تزال عمليات المنع مستمرة حتى قام رئيس مفرزة الأمن الفنية، زهير رمضان، بفصل فنانين كبار من عضوية نقابة الفنانين بتهمة إساءتهم للذات الرئاسية من جهة، ومطالبتهم حلف الناتو بقصف الذات الرئاسية، منهم مي سكاف وعبد الحكيم قطيفان ولويز عبد الكريم...

الشيء الوحيد الذي لم يُمنع في سورية حتى الآن، هو بقاء هذا النظام الديكتاتوري في السلطة!...

   

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...