الحرية لأطفالنا المقموعين

02 ديسمبر 2016
+ الخط -

يعاني أطفال مجتمعاتنا العربية من ممارسات يمكن وصفها بالكارثية؛ فهي تترك جروحاً عميقة في نفسية الطفل. في وقت أحوج ما تكون فيه هذه النفسية إلى العناية والاهتمام، لتنمو عليها شخصيته المتوازنة.


وأقصد بالممارسات الكارثية تحديداً هنا، عمليات القمع التي تمارس على أطفال لم يبلغوا من عمرهم إلا سنوات قليلة من أهاليهم ومدرسيهم، بحيث يصبح الطفل أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الانصياع الكامل وبالتالي تغييب شخصيته بشكل كامل، ليتحول إلى ما يعرف في الثقافة العربية باسم "الولد المطيع"، أو التمرد الكامل والتحول إلى ما يعرف بثقافتنا باسم "الولد العاق"!

إن الصراخ على الأطفال وتأنيبهم وزجرهم وتهديدهم بالحرمان وفي بعض الأحيان ضربهم، هي ممارسات منتشرة في مجتمعاتنا إلى حد باتت معه "طبيعية" و"معتادة"، حيث إنها لا تعتبر ممارسات سلبية لدى غير المختصين بمجال التربية وعلم النفس والإرشاد النفسي؛ إذ يمارس بعضهم للأسف هذه الأمور، على الرغم من وعيهم بخطورة آثارها.

أخيراً، فرضت ظروف خاصة بالعمل عليّ السهر لوقت متأخر ليلاً، وكنت قد احتجت أن أكلم صديقي في وقت متأخر، فكتبت له، دون أن يجيب، فراسلته قائلاً يبدو أنك نمت، مع علمي المسبق أنه يسهر عادة، حتى ساعات الصباح الباكر، لكنه أجابني بعد دقائق: لا طبعاً.. ما نمت، لكن كنت في شجار مع ابني البالغ من العمر ثلاث سنوات ووصلت أصواتنا إلى نهاية الشارع، لأنه يرفض النوم.

وبحكم أن صديقي هذا مقرب مني أخذت على عاتقي مهمة لومه على ما فعله مع ابنه، نظراً لأنه لا يعدو أن يكون قمعاً لطفل يسهر ليلاً لأن أهله يسهرون ليلاً، وينامون حتى وقت متأخر ظهراً. وفي حال نام الطفل في وقت باكر، واستيقظ باكراً، فإنه سيتعرض للتأنيب، لأنه سيثير الضجة في البيت، ويطلب الطعام باكراً، في وقت لا يزال فيه أهله بحاجة لمزيد من النوم.

إن هذه الممارسات المنتشرة بين الآباء والأمهات لا تنفي حبهم وعطفهم على أولادهم، لكنها نتيجة، ربما تكون طبيعية، لأجواء القمع والكبت السائدة في المجتمعات العربية منذ عقود طويلة، حتى بات كل أب يرى في نفسه "ضابطاً" يجب أن يلقي الأوامر العسكرية على أولاده، الذين يجب أن ينفذوها بدون نقاش.

لكن الطفل الذي يتعرض لمثل هذه الممارسات أضعف بكثير، في الغالب، من أن يصمد أمامها دون أن تختل شخصيته نحو الانهزامية والخوف والتردد، أو نحو التمرد والعصبية والانفعالية الزائدة، وهو ما يخلف على المدى الطويل آثاراً واضحة على شخصيته.

ولا يخفى على أحد أن الأطفال هم مستقبل مجتمعاتنا، ومن هنا تأتي أهمية تحريرهم من ممارسات القمع التي يتعرضون لها من الكبار في المنزل والمدرسة والشارع والحديقة.

وتقع مسؤولية التوعية بخطورة هذه الممارسات على وسائل الإعلام العربية التي يجب أن تفرد مساحات أكبر للمواد التربوية، وتلك التي توضح حساسية نفسية الطفل العالية وآثار أي ضرر قد يلحق بهذه النفسية على نمو شخصيته المتوازنة.

ويلزم أيضاً، للقضاء على مثل هذه الممارسات، تبني منظومة قانونية توقع العقوبات الزاجرة بمن يقوم بضرب الأطفال أو بحبسهم أو الاعتداء عليهم بحجة تربيتهم، وتمنع بشكل نهائي أي شكل من أشكال الضرب في المدارس.

إن تحرير أطفال مجتمعاتنا العربية من ممارسات القمع، هو في الواقع خطوة على طريق تحرير هذه المجتمعات، أملاً في أن تتخلص يوماً ما من ثقافة القمع وسطوة القوي المتوارثة منذ الأزل...

 

 

7A81DF96-D4DF-4447-B4DF-E3B0041104DA
رامي سويد

صحافي سوري من حلب، يحمل إجازة في القانون وماجستير في عقود التجارة الدولية. من أسرة "العربي الجديد".يقول: الكتابة أداة تواصل وفعل لتوثيق الفكرة والحدث. نحن نكتب لنحاول أن نصنع التغيير من خلال التعبير..