وهم التصالح: بين فزاعة النظام وحق الضحايا
بينما تستمر مصر بغرقها في بحر من الظلم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ أحداث 2013، تتعالى بين الحين والآخر أصوات تدعو إلى "التصالح" مع النظام الحاكم. الغريب في هذا الأمر أن هذه الدعوات تأتي من داخل بعض الأوساط المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي كانت وما زالت تعاني الملاحقات والاضطهاد على مدى أكثر من 11 عامًا. فكيف يمكن للعقل أن يتصور أن الضحية هي من تطالب الجاني بالصفح والتسامح؟ وهل يُعقل أن تظل العدالة مغيبة إلى هذا الحد؟
فزاعة الإخوان: شماعة النظام لفشله
على مدى سنوات، استخدم النظام الحاكم جماعة الإخوان المسلمين ذريعةً يعلق عليها كل إخفاقاته وكوارثه. من انهيار الاقتصاد إلى فشل سياساته الداخلية والخارجية، كان الإخوان دائمًا في مقدمة من يُتهمون زورًا. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا تم إخراج هؤلاء من المعادلة، فعلى من سيعلق النظام أخطاءه المستمرة؟ وكيف سيفسر فشله أمام الشعب؟ النظام بحاجة دائمة إلى "فزاعة" يرهب بها الناس، وما أن يختفي هؤلاء حتى يجد نفسه في مواجهة الحقيقة المرة.
الكوارث المستمرة: إدارة بالترهيب
ليست جماعة الإخوان المسلمين مجرد "فزاعة" سياسية، بل هي أيضًا أداة بيد النظام لترهيب الشعب وإبقائه في حالة خوف دائم. كلما زادت الأزمات الداخلية، يلجأ النظام إلى تخويف الناس من "الإخوان" وكأنهم السبب الوحيد لكل ما يعاني منه البلد. هذا الترهيب المنهجي هو جزء أساسي من استراتيجية النظام للبقاء في السلطة، وهو ما يجعل أي دعوة للمصالحة تهديدًا وجوديًا له.
مجازر بلا حساب: فصول من تاريخ مظلم
منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري في 2013، كانت جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها هدفًا لحملة من القمع المنظم. لم تكن مجزرة الحرس الجمهوري ولا مجزرة المنصة إلا البداية. جاءت بعدها مجازر فضّ رابعة والنهضة التي لم تُمحَ آثارها من ذاكرة المصريين حتى اليوم. يوم 14 أغسطس 2013 كان يومًا داميًا، انتشر فيه العنف والقتل في جميع محافظات مصر. لم تكن هذه المجازر مجرد أحداث عابرة، بل كانت محطات دامية في مسار قمع منهجي استمر لسنوات.
منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري في 2013، كانت جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها هدفًا لحملة من القمع المنظم. لم تكن مجزرة الحرس الجمهوري ولا مجزرة المنصة إلا البداية.
دعم الخارج: الإمارات والصهاينة ضد المصالحة
من غير مصلحة القوى الخارجية التي تدعم النظام الحاكم في مصر، وعلى رأسها الإمارات والصهاينة، أن تحدث أي مصالحة حقيقية. هذه القوى تستفيد من حالة الفوضى والاضطراب التي يعيشها البلد، وتخشى أي تغيير قد يهدد مصالحها. الدعم المستمر الذي تقدمه هذه القوى للنظام ليس إلا محاولة لضمان استمرار الوضع الراهن. فلماذا إذًا يظهر البعض مطالبًا بمصالحة قد تعصف بكل هذه المصالح؟ هذه المطالبات الجنونية لا تبدو إلا محاولة لإعادة تبييض وجه النظام، ولكنها في الواقع تخدم مصالح أعداء الشعب المصري.
جنون المصالحة: من يخدم هذا الطلب؟
لماذا يظهر من يطالب بمصالحة بهذا الشكل الجنوني؟ الإجابة قد تكون في ارتباط هؤلاء بمصالح شخصية أو أجندات خارجية. من يدفع باتجاه مصالحة بدون محاسبة أو تحقيق العدالة، لا يخدم سوى النظام ومن خلفه من قوى داعمة، ولا يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب أو حقوق الضحايا. هذه الدعوات ليست إلا محاولة لتشتيت الأنظار عن الجرائم الحقيقية والمآسي التي يعاني منها الشعب.
التسوية العادلة: الغائبة عن المشهد
هناك فارق جوهري بين التصالح والتسوية. التسوية العادلة تتطلب اعترافًا صريحًا من الجاني بجرائمه وتعويض الضحايا وتقديم ضمانات لعدم تكرار تلك الجرائم. أما التصالح المشبوه الذي ينادي به البعض فهو تخلٍّ عن هذه الحقوق، وهو ما لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال. لا يمكن أن تُبنى أي تسوية عادلة في مصر بدون تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة على جرائمهم.
طريق العدالة هو الحل
في النهاية، لا يمكن للتصالح أو التسوية أن يتم على حساب الضحايا. يجب أن تظل مطالب العدالة والمحاسبة هي العنوان الرئيسي لأي عملية سياسية مستقبلية في مصر. فبدون تحقيق العدالة، ستظل مصر غارقة في الظلم، ولن يكون هناك أمل في بناء مستقبل أفضل لأبنائها. دعوات التصالح بدون عدالة ليست إلا محاولة لتبييض صفحة النظام وللإفلات من المحاسبة، وهو ما يجب ألّا يقبله أي إنسان يؤمن بالحق والعدالة.