وسائل التواصل وصورة المرأة
تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي أخبارا يراد منها أن تبدو حقيقية أو اختزالا لقصص واقعية، وخاصة الأخبار المصورة كالفيديوهات والأفلام القصيرة، بغلاف تشويقي لضمان زيادة عدد المتابعين وسرعة الانتشار.
فيديوهات تصور حربا طاحنة بين امرأتين يوم حفل زواج إحداهن من خطيب الأخرى، يجرى التأكيد على أن القصة واضحة التفاصيل والجناة، لكنها حزينة وتدمي القلوب وتستدعي العواطف والتضامن والانفعال.
الحكاية هي أن العريس السعيد، عريس الزين، محبوب الجميع، قد ترك خلفه خطيبة مخدوعة ويحتفل اليوم بزواجه من فتاة أخرى، تهاجم الخطيبة صالة الأفراح وتباغت المحتفلين والكاميرا تتابعها شخصيا وبالتحديد، أين المفاجأة إذن؟؟
تشويق استعراضي يظهر النساء وكأنهن إما عاشقات تابعات وجاهلات أو خاطفات لرجال غيرهن من النساء، ينشب عراك بالأيدي بين الزوجة والخطيبة المخدوعة، عراك مصحوب بالشتائم والإهانات للعروس وأهلها. يبدأ العراك بسؤال مكسور الخاطر من قبل الخطيبة الملتاعة: (مين هي؟ أو أنتِ مين؟) وكأن العريس لا يعرف من تكون؟ أو أن الخطيبة لا تعرف شيئا عن خطيبها أو حبيبها الذي صار زوجا لغيرها!
سؤال سخيف تدفع ثمنه النساء فقط، يحاول العريس هنا تهدئة خواطر المرأتين، لأنه صاحب قلب رحيم، ولأنه لم يخطئ أبدا، بل إن النساء هن المعتديات على بعضهن وإنهن راغبات بالاستحواذ على رجل واحد رغم أنه رجل مستقيم وواضح يعلن زواجه باحتفال علني ولا يخاف من أي شيء.
ويجرى تناقل وعرض فيديوهات أخرى تفصح عن غيرة مستعرة من نساء مرافقات لأزواجهن أو أحبابهن بطريقة قميئة، تضع النساء في طرفين متناقضين متواجهين بشراسة، الطرف الأول امرأة تدافع عن زوجها أو شريكها بدافع الغيرة والتملك، وفي الطرف المقابل نساء يحاولن خطف الرجال عبر التودد المجاني أو الغزل الاستعراضي، والرجل صامت يتفرج لا حول له ولا قوة، يعاني من كيد النساء وصغر عقولهن، يرضي غروره باحتراب امرأتين على الفوز بقلبه وكسب وده واغتنامه من قبل إحداهن وكأنه طريدة.
والأشد أسفاً أن الفيديو ينتهي بالتعاطف مع الرجل المسكين، الحبيب اللقطة والرجل المرغوب فيه من قبل الكثيرات من النساء، وتقع النساء في دائرة التناحر وتوصف بقلة العقل وبالرغبة بالاستحواذ وبأن النساء غيورات لدرجة تتحول الغيرة العمياء والاتهامية إلى مرض سقيم لا شفاء منه، وربما مجنونات، وربما غير متزنات وفاجرات.
لا تسرق امرأة شريك أخرى لأنها امرأة، ولا يمكن أبدا إعفاء الرجل من المسؤولية المباشرة وغير المباشرة لفشل أي علاقة، فكل علاقة يتحمل مسؤوليتها طرفا العلاقة معاً
تنسجم هذه الفيديوهات مع الواقع والصورة النمطية للرجال بأنهم خونة ولا يلتزمون بوعد أو بعهد، وكذلك مع الصورة النمطية للنساء بأنهن قليلات حظ وضعيفات ويعانين من خيانة الرجل وأكاذيبه ومن وهم الحب الكبير والوحيد، وأن المرأة هي حكماً عدوة المرأة، وهذه نظرية خاطئة ومجحفة بحق النساء أولاً، وبحق الرجال ثانياً.
لا تسرق امرأة شريك أخرى لأنها امرأة، ولا يمكن أبدا إعفاء الرجل من المسؤولية المباشرة وغير المباشرة لفشل أي علاقة، فكل علاقة يتحمل مسؤوليتها طرفا العلاقة معاً، أي الرجل والمرأة، وهنا يبدو التمييز أوضح ليس فقط بتحييد الرجال عن المسؤولية بفشل العلاقة، بل بتسليط الضوء بصورة مركزة ومبالغ فيها مع شطحات خيالية لترويج الفيديوهات والقصص وكسب مزيد من التسويق الإعلامي والمالي على حساب النساء، لدرجة قد يجرى تصويرهن كجانيات يسرقن شركاء الأخريات، أو كساعيات لملكية الرجال المساكين الذين سعوا بكامل قوتهم لإفهام الضحية أن العلاقة قد انتهت!
لكن عبثا، فالعيب كامن ومستقر في عقول النساء الصغيرة وقلوبهن المنهارة والانفعالية، ليتحول أي فعل هجر أو ترك إلى أزمة كبيرة تستوجب حلاً مباشراً تتدخل فيه الضحية وبمساعدة أهلها أحياناً لمعاقبة المرأة السارقة واللعوب، والتي لم تراع أصول الالتزام والوفاء، وتُحمّل النساء حينها مسؤولية مزدوجة، وهي التلاعب أو الضحك على الرجل الهاجر والخائن، وخيانة امرأة من جنسها فقط لتكسب زوجاً لا يتكرر وجوده في الحياة.
يُظهَر عريس الزين مسكيناً وبريئاً، أما النساء فهن حكماً عدوات النساء، فليدفعن الثمن غالياً ولو عبر الإعلانات والصور المهينة ومحطات الإعلانات، إنه تجييش أحمق ومجاف للحقيقة والعدالة.